شكلت وسائل الاتصال الحديثة «تويتر وفيس بوك»، مجتمعات افتراضية للشباب، والفرق بينها وبين المجتمعات الحقيقية فقط أنها افتراضية وليست واقعية، هذا لا يعني أنها لا تتحول إلى واقعية في بعض الحالات التي تستحيل إلى تواصل واقعي، ولكنها شكلت مجتمعات حقيقية يتم فيها تفاعلات قد تتجاوز المجتمع العادي، ودينامية الجماعات التويترية تختلف عن ديناميات الجماعات العادية وهذه الدينامية أو التفاعلات لم تحظ بالدراسة إلى الآن أي كيف يتفاعل الأفراد داخل مجتمع تويتر وما هي العوامل المؤثرة، وماهي السياقات والأنظمة المتفاعلة وهل هناك عقل جمعي لمجتمع تويتر؟ كل تلك الأسئلة جديرة بالبحث والنقاش إلا أن المؤكد أن هناك هويات جديدة تشكلت داخل مجتمع تويتر وفيس بوك وأسميها مجتمعاً لأنها -تويتر وفيس بوك وغيرهما- لم تعد مجرد وسائل اتصال اجتماعي بل أصبحت مجتمعات لأن مجموعة من الأفراد يعيشون ويتفاعلون داخل هذا المجتمع الرقمي الافتراضي، وداخل هذا المجتمع هناك من يعيش بذاته الحقيقية والآخر بذاته المثالية، وبرزت مع هذه المجتمعات ذوات متخفية كما يرى (عبدالله البريدي) في كتابه (أسرار الهندسة الاجتماعية) وهذه الذات لم تكن موجودة في تقسيمات الذات في المجتمعات الحقيقية. وهذه الذوات الثلاث برزت معها ممارسات تسمح لها بالتعبير عن ذات مهمشة أو غير متكيفة مع المجتمع العادي وسمح لها مجتمع تويتر بكسر الحواجز الاجتماعية، وحتى اقتحام ثوابته ومحرماته، وكثير من الأفعال التي تسمح بها سياقات المجتمع التويتري. إذن نحن بإزاء مجتمعات جديدة وهويات جديدة ومجتمعات متغيرة وليس التغير الطبيعي أو الفجوة الطبيعية التي تحصل بين الأجيال بل كبرت هذه الفجوة بفعل العصر المعرفي المعلوماتي المتسارع، وهنا نعيد طرح الفكرة الجوهرية (للبريدي) في كتابه سابق الذكر «إذا كان مجتمعنا يتغير فنحن بحاجة إلى هندسة اجتماعية جديدة ذكية»! هندسة يتغير معها خطاب التأثير وأدوات التربية ووسائلها، إن الخطاب التربوي القديم لم يعد مجدياً وإلا لما هربت كثير من الذوات إلى المجتمعات الافتراضية، كما يجب أن يتغير معه الخطاب الإعلامي، كما أن المؤسسات المعنية بالشباب يجب أن تستقصي خصائص الشباب والعوامل المؤثرة فيهم والجاذبة لهم، إن التخلي عن الخطاب والوسيلة القديمة مطلب ضروري، لأن هناك مشكلة اجتماعية ونفسية يعيها المختصون وهي حالات الاغتراب التي يعيشها الشباب عن المجتمع الحقيقي الإنساني حتى وإن وفر لهم تويتر مدينة يطلقون فيها آهاتهم ومعاناتهم إلا أننا نبقى إزاء معضلة الاغتراب.