لم تعد الأنظمة والسنن التي فرضها المجتمع السعودي المحافظ، عائقاً أمام خروج بعض الفتيات السعوديات عن مساراتها، بعدما أصبحن يمارسن حريتهن الشخصية في العالم الافتراضي، حيث شعرن بالاطمئنان، لعدم وجود ما يمنعهن من ممارسة حرياتهن المختلفة. منذ بداية دخول الإنترنت إلى السعودية قبل نحو 10 سنوات، بدأت كثيرات من السعوديات الخروج عن نطاق القيود الاجتماعية، إلى هذا العالم الرحب، الذي بات متنفساً كبيراً لهن للتخلص من القيود الاجتماعية. وباتت الإنترنت محطة يومية في حياتهن لإشباع بعض رغباتهن وإن خفية من طريق الأسماء المستعارة التي كانت كفيلة بإخراجهن من الضغوط النفسية والاجتماعية. ولكن مع التطورات التقنية في السنوات الأخيرة، عمدت كثيرات إلى إبراز هوياتهن الحقيقية، من خلال نشر المعلومات الشخصية الحقيقية، واضفن أحياناً بعض الصور الشخصية في عدد من المواقع الاجتماعية، مثل «فيس بوك» و»نت لوك»، و»هاي فايف» وغيرها من مواقع الدردشة والتواصل. وتضمنت التصرفات الصريحة التي تقوم بها السعوديات في شبكة الانترنت تحديداً، نشر صورهن الشخصية وبياناتهن الحقيقية الخاصة، ووسائل الاتصال، إضافة إلى نشر صور لبعض المواقف التي تمثل تحدياً حقيقاً للواقع الاجتماعي، مثل صور لقيادتهن السيارات، أو صورا شخصية تخالف الأنظمة الاجتماعية الرسمية، والتي لا يستطعن إظهارها أو الظهور بمثل حالاتها في المجتمعات وفي حياتهن اليومية الواقعية. إضافة إلى التصريح عن الوضع العائلي أو التعريف بالعلاقة التي تربط بعض الشباب ببعض الفتيات في الخانات المحددة لذلك, وهي مسائل يرفضها المجتمع لاعتبارها غير شرعية. وتمارس عبير محمد (23 عاماً) حريتها الشخصية على صفحات الإنترنت وتحديداً «فيس بوك». وتقول: «تعودت على حرية الرأي وحرية التصرف في محيطي الأسري، إلا أنني اصطدمت بالواقع الافتراضي، فلا يمكن أن اعبر عن رأيي بسهولة. كما لا يمكن أن أتصرف كما كنت أتصرف داخل منزلي». وتضيف: «وجدت صفحات الإنترنت، وتحديداً «فيس بوك» تضج بالعشرات من أمثالي، ما شجعني على إبداء رأيي بكل وضوح، والتصرف بما يحلو لي، بعيداً من النظرات والملاحقة». وتقول سمر خالدن ان الإنترنت هي «جنتي التي أتصرف فيها على سجيتي وأعلن فيها عن بعض الممارسات الممنوعة علي مثل قيادتي للسيارة في أوقات متفرقة، ونشر بعض الصور، إضافة إلى أنني انتقد التصرفات التي لا أتوافق معها فكرياً بكل حرية». وتضيف: «في السابق، كنت أمارس هذه الأمور في الخفاء، من خلال شخصية وهمية لا وجود لها في العالم الواقعي، إلا أنني الآن أمارس هذا لدور بشخصيتي، وباسمي الصريح، لأنني لاحظت أن الإنترنت هي وسيلة ربما تكون الأفضل للقيام بنقد فكر، أو تصرف اجتماعي معين، ربما يساهم في تغييره مستقبلاً». وتصف المدربة في مجال التنمية البشرية وتطوير الذات وئام المديفع، تصرفات هؤلاء الفتيات ب «التغريد خارج السرب». وتقول: «إنهن يبدين سلوكيات لا تمت إلى واقع البيئة التي يعشن فيها بصلة». وترجع تصرفات الفتيات التي تتراوح أعمارهن بين 15 و 25 سنة إلى «الكبت الذي يعانين منه، والضغوط المختلفة التي تمارس عليهن من قبل ذويهن، فيلجأن إلى التعبير عن آرائهن عبر التقنيات الحديثة والبرامج التي تكون على مرأى من العالم مثل «الفيس بوك»، أو «البلوتوث»، وغيرها، فقط ليثبتن ذواتهن، وأنهن يستطعن أن يقلن أو يفعلن ما يردن». وتشير المديفع إلى أن غالبية هذه التصرفات «تصدر عندما تكون الفتاة وسط مجموعة من صديقاتها مثلاً، أو ما يسمى ب «الشلة»، وكل واحدة تشجع الأخرى. وهنا يكون استعراض العضلات والتنافس بينهن، ولكن بطريقة خاطئة». وترى أن «إيمان البعض بما يصنعنه، مثل ضرورة السماح للمرأة بقيادة السيارة، يجعلها تظهر بهذا المظهر، لتوصل رسالتها، وتعتبرها وسيلة لتقول رأيها. كما أن هذه تكون أحياناً وسيلة ناجحة للاعتراض على أمر ما، أو إيصال رسالة ما، أو قضية ما إلى المسؤولين. فكم من قضية حقيقية أخذت ضجة وأصبحت قضية رأي عام، نتيجة بث معاناة هنا، وانتهاكات هناك». وتطالب بالتعامل مع هذه الظاهرة ب «الإنصاف، فالأمر لا يقتصر على الفتيات، بل حتى الشباب والرجال فيسلكون السلوك ذاته للدوافع الاجتماعية والبيئية والنفسية ذاتها».