بإرادته ينتمي يس محمد يس إلى طبقة الشعراء المهمشين، يقف في آخر الطابور مستمتعا بفضيلة الانتظار، ويتنازل عن حقه في الظهور، يهتم بتوزيع نسخ ديوانه على أقاربه في أقصى الصعيد، في حين يعجز عن الذهاب بعمله أو إرساله إلى الجرائد، لا يقايض الإبداع بالشهرة. يتخلى عن فكرة الانتشار المرهقة ويتمسك بالكتابة عن الحب بإحساس مراهق. «يوم ما صَحّى القلب نورك/ إتفقنا/ وإتفاقنا/ إن انتِ أجمل بنت في عيون الخيال/ وإن حُسنك/ زوّق الأيام في عيني/ وخلّا أنفاسي اشتياق/ إتفقنا/ والشهود/ قلبي وعنيا/ إسأليهم/ إتفاقنا ليه مادامشِ/ إسأليهم راح يقولوا/ إن الجمال اللي في عنيكِ/ مالتزمش/ وإن حد الحُسن فاق/ الاتفاق». مازال يس يؤمن بأن الموسيقى روح الشعر، وأن قصيدة النثر ولدت ميتة، ينفعل إذا ساومته على التنازل عن هذا الرأي القديم، يتخلص من عصبيته بابتسامة ويغير مجرى الحديث! ديوانه «السِّت» صدر منذ أيام، وهو عمله الثاني؛ جاء بعد توقف دام خمس سنوات عن نشر مجموعته الشعرية الأولى «خطاوينا» في 2007، وباستثناء قصيدة «الست» الطويلة نسبيا فإن بقية نصوص العمل إما قصيرة أو قصيرة جدا. «متضايق من نفسي بجد/ مش عارف/ هل علشان الدنيا محبتنيش/ أو إني/ ما عرفتش أكره حد؟!». رأس أم كلثوم توسطت الغلاف وانسجمت مع عنوان الكتاب، وجودها منفردة كان بمثابة اتهام لمصمم الغلاف محمود عمران بتجاهل بقية النصوص الأخرى، أو انحيازا لقصيدة بعينها والتعامل معها – بقصد – بمنطق البطل. نَفَس الشاعر الطويل في ذات القصيدة كان تهديدا لبقية النصوص ال 48 التلغرافية، وعزف منفرد على الذات بعيدا عن جو رومانتيكي يفرض على هذه الذات الاقتران بذات أخرى يهبها مشاعره أو يستقي منها هذه المشاعر: «ومن عادتي/ بقضي الليل على القهوة/ مع القهوة/ باكسّر وقتي بسيجارة/ وبتدارى ورا دخانها م الدوشة/ واحط همومي ع الترابيزة قدامي/ وافنطها/ ألاقي ولاد ما بتقشش/ وكومي عمره ما يبصّر/ وبنت بنوت مبتحسش/ وشايب شكله متحسّر/ وجيش جرار من الأعداد/ مراره ازداد من العيشة/ بتكويشة/ أجمّعهم/ وارتّبهم/ واقسّمهم/ لكن أغرق في نوبة ضيق/ وأقوم أعجز عن التفريق/ عشان ملقتش/ مين يقبل يلاعبني/ أفرق له/ وأسرق له من أوراقي/ ولو حتى هيغلبني…». فكرة البحث عن مطرب من زمن قديم يجد في بعض القصائد ما يستحق أن يغنيه ظلت تراودني وأنا أتخيل مثلا عبدالحليم يدندن «ياللي الليل في عيونك نام/ ياللي الفجر في حضنك قام/ لو فكرت أتكلم عنك/ مايكفيش عمري كلام…». كما لعب الشاعر على تيمة تبديد الوحدوية بإخلاص شديد وجاذب وكأنه يحرض كل من يسمعه على التخلص من مشاعره بتقمص إحساس الآخرين «ما انتاش فارس/ ولا عمرك يوم/ هتقضي اليوم/ بمزاجك/ لو طالباك الضحكة/ هاتضحك/ بس ما تستطعمش الضحكة/ يمكن دمعة عين/ تحتاجك/ ما انتاش فارس». آخر سطر: وحده الكاتب من يرتب لوردة من البلاستيك طريقة تحصل من خلالها على حظها من العطر.