الشعر الجميل دائمًا يعرّي صاحبه تمامًا،هكذا يخيّل لي عندما أقرأ تجربة شاعر ما،وعبدالله الكايد تتخيله من خلال ما يكتب،تجربة يمكن أن ترسمها وتتوسمها بلوحة تشكيلية،وبداخل اللوحة طفل شارد،يرمي الاستفهامات، السؤال الدائم سمة في نصوص/ كلام الطفل اليتيم،يطلق استفهاماته كالمدى بلا أطر ولا توسّل إجابة، بوحٌ سواقيه مآقيه،وقصائدٌ ذخيرتها خيرتها،تسلك طرق الحزن الوعر،طلبًا للوصول إلى كنه (زغرودة) تسبل الضوء، ورغم نبال الأسئلة إلا أن عبدالله الكايد يستشرف ويستشرق بها دوما (أملا) منشودا،إذ يتجلى ذاك غالبًا باستدعاء مفردات تربك المدى بالندى، والردى بالهدى، فلا تكاد تخلو قصيدة -رغم عمق جرحها- من أمل ك(حلم،طفل،صبح...) يستحضر البعد ويستشهد بنقيضه،ف(القرب) ليس سوى بعد عن(نهاياته).. بفلسفة شاعرنا العميقة/ المتأملة،كما هو مؤلم عندما تكون قريبًا جدًا وليس بينك وبين من تحب سوى (الغياب)!،هل نقول إن هنا يأخذ الاقتراب صيغة الاغتراب،ويظل البعد أقل قسوة من الفقد اللانهائي،وشرايينك مشرعة لأنياب الجوع.. وموجوع يهذي: أقسي من البعد.. كلمة (صاحبك وينه)؟ واجمل من القرب.. بعدي عن نهاياته! صاحبك.. حاضر غيابك بينك وبينه يامن غيابك حضور.. لكل مأساته ما كنّك انت المهاجر عن نظر عينه ما كنّه الا المهاجر منْه عن ذاته صاحبك والجوع ينهش في شرايينه تخيّل! الجوع.. حتى الجوع يقتاته صاحبك والحرف ويّا البعد وسنيه الكل يرمي على (الكل).. انكساراته الحرف هاجر وهو يلعن شياطينه صاحبك.. قاعد يسب ويلعن أبياته وصاحبنا يصدم أصحاب القناعات النسقية في رؤية الكاتب لحرفه،فالقاعدة الموغلة في ردائها النسقي تردد دومًا (قصائد الشاعر بناته!)،فيما يشتم الكايد حرفًا مقلقًا لايعدو كونه -الحرف- متلصصًا على أوجاعه،أو كما قال ذات حديث: (كتاباتنا تؤرخ مواجعنا فقط)، والقصيدة الأجمل.. والأجمل هي دومًا تقبل كل صيغة شاردة من مصادر «أفعل».. فتكون هي أصعب وأسهل في آن،وتتسع حتى تتسق فتقنع المتناقضات بالسير في ذات السياق،فالجهل لا يعني يقينًا انه نقيض العلم!،فقد يكون من الضروري وجود احدهما مقياسًا للآخر،هل أُمارس هنا فلسفة.. أم أن استفهامات هذا الفتى تقودني لهذيان يحاول أن يوجد إجابات لأسئلة شاردة وموغلة في الشعر..؟ كيف لا.. وهو يرى الشفق شفاه،والصبح تغريدة.. وعليكم تخيّل نهارًا يبدأ بهكذا ضوء/ شعر.. وعلى متتبعي الشعر بهوس تمليه ذائقة عروضية و(طروق) المنكوس والمعكوس التنحي بذائقتهم جانبًا،وعلى محبي السينما أن يشاهدوا حكاية تنهيدة تتسلل سهوًا: سلمى بشفّة صباح الحرف تغريدة قصيدة أصعب.. والأصعب: مفردة سهلة! تعرف جهل من سَهَت جوّاه تنهيده وعلى كثر ما تعرفه.. تدّعي جهله! يقبل.. وتقفي دلع (ايوووه) ماريده يقفي وتقبل - بدون شعور- تندهله! خليه لله.. يرحل،يمكن تعيده أيامه السود بعدك له/ لبيت اهله! ويبقى الشعر في أجمل حلله وأزهاها وثيقة لتأريخ الوجع غالبًا،ولا يعيبه تحاشيه لتدوين الحالات الأكثر فرحًا فذلك إنصاف ليبقى شعرًا يسكن الأرواح لا الأدراج الباردة،وهكذا يختار الكاميرا/ لحظة الشعر الزاوية المتناهية الدقة لتلتقط شيئًا من الداخل العميق.. فيما يقف غباء الرقميات لدى الملامح والضوء الآتي من الخارج لا الداخل. كان طفل يتهجا حلم عمره وشاف أجمل العمر (بيتٍ) بالخيال انشطب افتقدته خطأ مني.. بليلة زفاف والتقاني خطأ منه بلحظة غضب من يقول المدينة لك نهاية مطاف مادرى أن المدينة لي بداية تعب! انهكتني وانا اكذب ماعليّه خلاف لا عليها السلام ولا عليّه عتب شفني إنسان متذمر من انسان جاف لاحديثه حديث.. ولاسكوته أدب تساؤلات مقلقة وكأن استيطان الريح قدر الشعراء منذ جدهم الأكبر قلقًا وألقًا،والإنسان بكل حالاته الموغلة في الكَبد،يجول بذاكرته من أول الخطوات إلى آخر الخطايا: كانت أول (خطاوينا) بمكة طواف وأذكر اكبر (خطايانا) شقاوة هدب! مع هدبها تعلمنا وش الاختلاف وان صعب الكتابة هي كتابة صعب علميهم واكون السالفة والخلاف في حديث السهارى ضوّهم والمشب انثني غصن في كبد السنين العجاف من عناده نبت عوده فوجه المهب ويعزز قناعتي هُنا بأن الشعر هو تلك ال(يمكن)،وليس قناعة تمررها كمعلومة للمتلقي،فالشعر ليس تقريرًا بل إن تُقدّم شكوكك كما هي ورؤاك بدون محاولة لإثبات صحتها، فالتعب يكون شعرًا عندما يكون هو الحالة التي تدونها،لا أن تبحث عن مبرراته أو أسبابه،او حتى نتائجه: تعبت (افكر) في حياتي مع الناس وتعبت اعيش ب(عقل غيري) حياتي جلاّس بعيوني وبالبال... جلاس اشوفهم.. (متجمّعين)،، ب(شتاتي) اغيب عنهم ياس,،وارجع لهم.. ياس منهم .. ومن نفسي.. ومن أمنياتي أنفااااااس.. يا رب اختنق عبدك انفاس لو «آه» امرّرها حديث بسكاتي «احسااااس»..؟! كلمة قاسية ما بها احساس! ما تزهر بصدري ولا في شفاتي كتبتها.. ماهو عشاني بها (حاس) إلا.. عشان اكسر عليها عصاتي والطبيعة الإنسانية دومًا نزّاعة للفرح،وان لم يكن مُتاحًا،فليس أكثر من محاولة لخلقها حُلمًا ورسم تفاصيلها وان لم تكن،يبدو تحايلًا نيبلًا،حتى وهو يتم استدعاؤها من (فعل ماض)..وعلى أنقاض جرح لم يمض،فقدر الفرح الزوال،وقد الجراح البقاء: أحيت بي الفرح اليتيم وحيتني وأنهت بي الجرح القديم وتبسمت من ساس إحساسي لراسه بنتني تُقسم لها جروحي بربي وانا اقسمت وفي ليلة الفرقا.. حصل يوم جتني فوق اليدين اللي بنتني تحطمت ماني مصدّق كيف روحي جفتني ماني مصدق كيف مني تيتمت! ماعلمتني كيف لا وادعتني كيف احتوي الماضي بعد ما تقدمت واحيانًا يظل للتمادي بالألم والوجع طعمًا آخر يستلذ به المحبوب،وليس دومًا يحتكم المحُب للعقل والمنطق،فالإيجاز ليس بالضرورة أن يكون بليغًا: أنا قادر أقول إني أحبك واقصر المشوار ولكن العذاب اللي مع (شرواك) يحلا لي! وكم من جراح تسترها رأفة بالآخرين،ولكنك تكون عاقًا للكتابة عندما تواري عنها سوءات ألمك،فهي صنو الجرح،وقد تتنامى حتى تكون هي الجرح بذاته،فتتعرى أمامها روحك لتزيد هي هيبة وشموخًا: إن كتمت الجرح من طيبي.. ولعيون الإخوة وان كتبته ما كتبته غير لعيون الكتابه! الكتابة: جرح.. ياجرحي وضعفٍ فيه قوّة والكآبة؟.. غيب فيني.. تعبر حدود الكآبة هو أنا.. اللي من (سيوف البرد) قام وشبّ ضوّه مادري إلا وناره أحرقت زاهي ثيابه والا انا ذاك اليتيم الجاهل بمعنى الأبوه انجرح صوته.. وهو يسأل.. ولاحيٍ درابه من عذابه يسأل امه.. كيف غاب؟ ووين هوّه؟ يسأل امه من عذابه.. هو متى ينهي غيابه! كل فرح.. وكل جرحٍ في طرف عيني تشوّه ضحكتي فيها (غموض) ودمعتي فيها(غرابه)! ويستمر بعزف ناي أوجاعه ونزف أضلاعه ,وزرع الكثير من الاستفهامات،وكل نص لا يخلو من فكر خصب لنمو مزيد من التساؤل: من يهتدي ياسيدة للضوء من تحت الرماد من يستمع صوتي؟ ومن يحبس عن الصوت الصدى؟ يا آهتي جيتي تعريني من ثياب الحداد وانا الحداد اللي على وجهي من غيابك بدا جيتي مطر يستغفر الرحمن عند ذنب العباد وانتي ذنوب عباد ما مرّوا على درب الهدى! جيتي من اقصى حنجرة فلاح في موسم حصاد أعياد شكر.. وذكر.. وخشوع.. وتناهيد.. وحدا! وهذا الحادي وان بدا صوته هنا أكثر علوًّا وهو يخاطب بلغة باسقة،لا يلبث أن يخفت الصوت وتظهر الصورة وكأن ما سيقوله لاحقًا لن توصله لغة بقدر ما تستطيع الصورة أن تنقله كمشهد يلتقط التفاصيل بشكل دقيق: جيتي غرور ام بطفل.. يكره يحاصره المهاد كانت تغني له:- عشان يدوزن الخطوة-هدا! هدا.. وثارت،ما هدا باله من الدنيا عناد استقبل الشمس وحذف بعيونها (سن) وعدا: لليل؟.. للمجهول؟.. للبرد؟.. لعيونك؟.. للبعاد؟ للضفة اللي ما لعابرها من الضفة جدا؟! وبعد: عبدالله الكايد.. شاعر.. -هل قلت شاعرًا!- الأهم أن له تجربة عميقة ومتفردة ومختلفة عن أغلب مجايليه ممن امتهنوا الشعر كأسهل «وسيلة» تؤدي لكل»الغايات».. وللأمانة وجدت نفسي متورطًا بالجمال وانا أحاول سبر تجربته معتمدًا على ذائقتي التي أخالها جيدة في قراءة الشعر،كل نص للكايد يفتح امامك الكثير من الرؤى،اقتبست من ابياته وبقى الكثير من الجمال احتفظ به لم اتطرق له في هذه القراءة وهذه قلما تحدث..