مع قدوم الصيف يصبح السهر هو الغالب على كثير من الشباب والفتيات في مجتمعنا وهذه ظاهرة ملحوظة بشكل واضح. وبالرغم من أن للسهر مضار اجتماعية، كتغير نظام الحياة والنشاط بشكل كبير، وتأثر كثير من الأنشطة في المجتمع إلا أننا في هذا المقال سنركز على الجانب الصحي. وهذه العيادة يتوافق نشرها مع ظهور بحث موسع جديد قام به الباحثون في المركز الجامعي لطب وأبحاث النوم بجامعة الملك سعود عن الآثار السلبية للسهر ونقص النوم على عمليات الأيض ووظائف الغدد الصماء والجهاز المناعي ونشر هذا الشهر في مجلة (Open Respiratory Journal 2011) . وسنحاول في هذا المقال تلخيص بعض الأضرار الصحية المثبتة للسهر. تختلف عادات النوم من شعب لآخر ومن منطقة لأخرى، وهناك عوامل كثيرة تشكل هذه العادات، ويعود الكثير منها إلى الثقافة السائدة في المنطقة، والعرف السائد وكذلك التقاليد، ويلعب المناخ ودرجات الحرارة عاملاً مهماً في تكوين تلك العادات، والمجتمع السعودي كمجتمع مسلم، تفرض عليه معتقداته بعض الأمور التي قد تشكل عادات النوم لدى الناس، بسبب الالتزام بمواعيد الصلاة، كما أن حرارة الجو تؤثر على مواعيد النوم والاستيقاظ، فيقل النشاط في فترة الظهيرة والعصر، ويزداد في فترتي المساء، وخلال العشر سنوات الماضية أصبح السهر ظاهرة واضحة في المجتمع السعودي، وقد يكون لبعض الأمور التي استجدت على المجتمع دور في ذلك، كظهور عدد كبير من القنوات الفضائية وكثرة الاستراحات والمقاهي، كل ذلك أثر بشكل كبير على عادات النوم لدى الناس بمختلف أعمارهم وخلفياتهم العملية والثقافية، وقد ظهر في الفترة الأخيرة عدد من الدراسات التي أعطت بعض التصور عن عادات النوم لدينا، فقد وجدنا في بحث نشر سابقاً في المجلة الطبية السعودية، أن وقت النوم خلال أيام الأسبوع لدى عينة من السعوديين معدل أعمارهم 33 عاماً، هو الساعة الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل، كما أن ظاهرة السهر يعاني منها الأطفال أيضاً فقد وجدنا في عينة من 1012 طالبا وطالبة في المرحلة الابتدائية، أن الطلاب يسهرون ليلاً أكثر من قرنائهم من نفس المرحلة العمرية في الدول الغربية. وبالرغم من أن ثقافتنا تلزمنا بالاستيقاظ مبكراً، لأداء صلاة الفجر، إلا أن الواقع والتطبيق بدا في التغير ويفضل البعض في الصيف البقاء مستيقظا إلى وقت صلاة الفجر والنوم بعد ذلك. والسهر يسبب نقصا في عدد ساعات النوم خاصة عند الذين يعملون هذه الأيام أو الطلاب الذين لديهم دورات صيفية، لأن وقت الدوام لا يتغير، لذلك يذهب الموظفون إلى أعمالهم أو الطلاب الملتحقون بدورات صيفية إلى قاعات الدراسة، وهم لم يحصلوا على ساعات نوم كافية، وهذا وبدون شك ينعكس على تحصيلهم وأدائهم وتركيزهم، ويزيد من نسبة وقوع الحوادث بمختلف أنواعها. مشاهدة التلفزيون: ومن العادات السيئة التي انتشرت بين أطفالنا، عادة مشاهدة التلفزيون ليلاً، حيث يستمر (36 -55%) من أطفالنا في مشاهدة التلفزيون، أو ألعاب الفيديو حتى وقت نومهم، وهذا بدوره ينعكس على وقت النوم، حيث ثبت علمياً أن مشاهدة التلفزيون حتى ما قبل النوم، يزيد من اضطرابات النوم عند الأطفال، ويسبب الأرق والتوتر، ويزيد من مقاومة ورفض الطفل للذهاب للنوم. كما ثبت علميا أن استخدام جهاز الكمبيوتر المحمول قبل النوم ينتج عنه صعوبة في بدء النوم عند الكبار كذلك وقد يكون ذلك بسبب الضوء المنبعث من الجهاز والذي يقلل من مستوى هرمون الميلاتونين في الدم. تأثير السهر على وظائف الغدد الصماء للسهر تأثير مثبت على "الهرمونات" ووظائف الغدد الصماء، حيث يسبب السهر اختلالاً في إفراز الكثير منها، ويفقد الجسم القدرة التنظيمية والإيقاع اليومي لإفرازها، ومن "الهرمونات" التي تتأثر: "هرمون الكورتيزول" و"الأدرينالين"، وهذه تعرف طبيا بهرمونات التوتر حيث تزداد في النهار وتقل في الليل. ونقص النوم أو عدم انتظامه قد يتسبب في زيادة مستمرة لهذه الهرمونات. وهذا على المدى الطويل يزيد من احتمال الإصابة بزيادة ضغط الدم وأمراض القلب. هرمون آخر مهم يفرز خلال النوم العميق هو هرمون النمو المهم جداً للجسم، لأهميته لنمو الأطفال وإصلاح الخلايا وتكاثرها يتأثر كذلك بنقص النوم واضطرابه. كما أن السهر يؤثر على الهرمونات الجنسية، وقد يزيد نقص النوم من مقاومة الجسم للأنسولين، وبالذات عند مرضى السكر، مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى "الجلوكوز" في الدم، وثبت حديثاً أن السهر يزيد الوزن، لأسباب كثيرة منها ما يتعلق ب"الهرمونات" مثل هرموني "اللبتين" و"الغريلين" ومنها ما يتعلق بكثرة الأكل خلال السهر ونقص الحركة. ضعف الجهاز المناعي الأبحاث الحديثة توضح أن السهر ونقص النوم قد ينتج عنه ضعف في الجهاز المناعي، وكذلك ضعف قدرة الخلايا المناعية على التعامل مع الأجسام الغريبة والميكروبات، ويعتقد المختصون أن نقص النوم يزيد من احتمالات الإصابة بنزلات البرد، وقد أثبتت دراسة علمية نشرت في مجلة أرشيفات الطب الباطني (يناير 2009) هذا الاعتقاد، فقد درس الباحثون عدد ساعات نوم 153 متطوعاً، لمدة أسبوعين متتاليين، بعد ذلك تم عزل المتطوعين في غرف خاصة، وتم تعريضهم لفيروس الزكام (Rhinovirus) عن طريق وضع نقط في الأنف، وخلال الخمسة الأيام التالية، راقب الباحثون ظهور أعراض الزكام عند المتطوعين، وكذلك قياس الأجسام المضادة ضد الفيروس في الدم، وزراعة إفرازات الأنف، مشيراً إلى أن النتائج أتت مثيرة جداً، حيث وجد الباحثون أن النوم لساعات أقل، يزيد احتمال الإصابة بالزكام، وأن الإصابة كانت أعلى بثلاث مرات، عند الذين ناموا أقل من سبع ساعات، مقارنة بالذين ناموا ثماني ساعات أو أكثر، موضحاً أن للسهر أضرارا صحية على الجهاز التنفسي والدوري، خاصةً عند المصابين بمشاكل التنفس المزمنة، فقد يزيد السهر من ظهور بعض الأعراض، وقد أظهرت الأبحاث أن توقف التنفس أثناء النوم، يؤدي إلى "الشخير"، وبالذات عند السهر أو الإجهاد، أما بالنسبة للقلب والجهاز الدوري، فإن بعض الدلائل تشير إلى أن السهر، قد يرفع ضغط الدم.