سراج علي أبو السعود ذكرتُ في مقال سابق بعنوان (قضية على طاولة مكتب العمل) إحدى المشكلات الموجودة في مكاتب العمل في المملكة وهي التأخر في إتمام بعض القضايا، ذلك التأخر الذي قد يصل في بعض الأحيان إلى سنوات، وأضيف اليوم في مقالي هذا مشكلة أخرى ذات تعقيد كبير يواجهها أولئك الموظفون الذين كسبوا قضاياهم المرفوعة ضد الشركات التي يعملون فيها، هذه المشكلة هي الظلم الذي يواجهه هذا الموظف من قبل مسؤولي شركته كرد فعل انتقامي منه على رفعه دعوى ضدها وكتحذير غير مباشر لغيره من الموظفين أن مصيرهم سيكون نفس المصير إذا ما سلكوا ذات الطريق.إن الاحترافية بمعناها الذي يجرِّد أصحاب الوظائف العليا في الشركات من شخصنة المشاكل الدائرة بينهم وبين موظفيهم هي صفة تكاد تفتقدها نسبة ليست قليلة منهم، ويكفي في بعض الأحيان أن يحدث سوء فهم بسيط بين موظف ومديره في موضوع عملي بحت، حتى يسعى هذا الأخير بكل ما أوتيَ من قوة ونفوذ في إيذاء خصمه والتفنن في ظلمه ليجعله عبرة لمن لا يعتبر، وحينما يكون الأمر متعلقا بموظف كسب قضيةً له ضد شركته واقتص منها وفق القانون فإن النتيجة الحتمية هي أن يقضي هذا الموظف عمره الوظيفي في عذاب وألم لا ينقضي إلا بخروج هذا المسؤول من الشركة لأي سبب كان، وربما لا يتوقف هذا المسؤول عن غيه مادام موجودا إلا بإخراج هذا الموظف من الشركة بطرق كثيرة أيسرها الإجبار على الاستقالة بإسلوب يُزيل أي شبهة قانونية عليه، وانطلاقا من أن مكتب العمل هو جهة قانونية تسعى فيما تسعى إليه إلى حفظ حقوق الموظفين ومنحهم حقوقهم فإنني أعتقد أن وجود آليات رقابية على الموظفين الذين كسبوا قضايا سابقة لهم ضد شركاتهم هو خيار لا بُدّ منه، ففي الوقت الذي يتمتع فيه جميع الموظفين بعلاوات سنوية وترقيات ومزيد من الاحترام فإن هذا الموظف يُنقل إلى الأماكن النائية ويضيَّق عليه الخناق ويستفز بطرق كثيرة ليقضي بذلك حياة وظيفية غاية في البؤس بسبب هذا المسؤول! ولو كان لمكتب العمل رقابة على أداء الشركة تجاه هذا الموظف لراجعت هذه الشركة حساباتها ألف مرة قبل أن تجيز لنفسها انتهاك حقوقه ومزاولة شتى أصناف الظلم والوقيعة عليه.إنني أعتقد أنَّ سن قانون عقوبات قاسٍ ورادع للمسؤولين الذين يستخدمون مناصبهم ونفوذهم في إيذاء موظفيهم يمنح المؤسسات المختلفة بيئات عمل أكثر استقرارا وإنتاجية، ذلك أن موظفا مسلوب الحقوق لن يكون يوما من الأيام عنصرا فاعلا في أي مضمار، كما أن الشعور الذي يسود أي منظمة يشعر فيها جميع منسوبيها بسيادة قانون قادر على حمايتهم تماماً هو شعور إيجابي يمنح هؤلاء الأمان الذي هو فيما أظن من أهم الأمور التي تطمئنهم وتدفعهم للإخلاص والإنتاج وبالنتيجة إلى الارتقاء بشركاتهم.من المؤسف كثيرا أن توجد ثلة من مسؤولي الشركات بعيدة كل البعد عن الاحترافية الإدارية بمعناها الذي يجعل كافة أنواع العلاقات بين الموظف والشركة خاضعة لقانون يحدد المساحة التي ينبغي لكلا الطرفين التحرك خلالها، هذه الحالة من عدم استيعاب القوانين والحقوق هي التي تجعل هذا المسؤول يبيح لنفسه أن يفعل ما يشاء حتى وإن كان ظلما تجاه الموظف، وإذا ما تظلم هذا الموظف ورفع قضيته لمكتب العمل وكسبها فإن روح الانتقام والأنفة أو الغطرسة هي ما تدفع هذا المسؤول إلى انتهاج منهج عدائي ظالم يؤذي من خلاله الموظف، من هنا فإنه لا بد من وجود آليات رقابية محكمة؛ تستطيع كما أرى أن تُسهم في علاج هذه الظاهرة وإزالتها.