هنا موظف يبحث عن وظيفة لتحسين وضع وتأمين مستقبل، وهناك في الطرف المقابل شركات ومؤسسات تسمى مجازاً «القطاع الخاص»، وفوقهم مكتب العمل. الطرفان يرتبطان بعقود عمل، ومن الطبيعي مع التعايش أن يكون هناك اختلاف، ولكن تبقى سلطة مكتب العمل كسيف ينتزع الحق من الظالم ويؤديه إلى صاحبه، سواء أكان الموظف أم صاحب العمل. المشكلة أنهم اختلفوا جميعاً في تعريف كلمة عمل أو عقد عمل، فصاحب العمل يعرفه على أنه عقد مع من يجلب له الربح، ومكتب العمل يعرفه على أنه مشكلة خامدة قد تنفجر في أية لحظة، ولكنه من وجهة نظر الموظف حلم ومستقبل لكي يحقق ذاته. وأصبح في وقتنا الحالي ليس وسيلة بل وصل إلى أن أصبح غاية. في موضوعي هذا أناقش مشكلة سأسردها في قصة، ومنها تستطيع أن تعرف نوع المشكلة، التي قيل انها لحفظ حقوقنا نحن الموظفين، ولكن تبين أنها أداة ضغط علينا، وحصل أن تنازل كثير ممن فصلوا عن وظائفهم عن مطالبة شركاتهم التي فصلتهم بحقوقهم بسبب شرط تعجيزي من مكتب العمل. لنفرض أن القصة من نسج الخيال، ولننس القصة ولكن لا ننسى أن قوانين مكتب العمل قوانين وضعية وليست سماوية، أي انه قد يأتي وقت لكي تتغير بعض البنود، لأننا اكتشفنا خطأ يجب تعديله. لن أطيل والقصة تحكي أن (س) شاب سعودي طموح تقدم إلى شركة (ص) التي تحتاج إلى موظف ذي مواصفات معينة تنطبق على (س)، وتم قبوله ووقع عقد عمل معه. دارت الأيام وبدأ (س) يؤسس حياته بالتزامات مالية شهرية، وتزوج ودخل في أمواج الحياة ومسؤولياتها، وفجأة تأتي طامة كبيرة فقبل أن يكمل الموظف (س) العامين تقوم شركة (ص) بفصله من العمل لأي سبب، سواء كان مشروعاً أو غير مشروع، وعلى وجه العجلة يتوجه الموظف (س) إلى مكتب العمل بشكوى تظلم ضد الشركة (ص). من هنا تبدأ المعاناة، إذ تذهب أيامه وأسابيعه وشهوره وقد يبلغ الأمر مداه وتستمر القضية لأكثر من عام، وهو يتابع هذه المداولات بين مكتب العمل والشركة (ص)، وخلال هذه المدة تلجأ الشركة إلى تأجيل الجلسة لكي ترد على سؤال مكتب العمل: لماذا فصل الموظف (س) عن العمل؟ ومع أن الإجابة لا تستحق أكثر من يوم، لأن السبب موجود في سجلات الشركة وأوراقها وبالتالي فالأسباب معروفة، إلا أن الشركة تماطل وتتعمد ذلك. في هذه الأثناء نجد أن الموظف (س) يتضرر من طول أمد القضية، خصوصاً في ظل وجود شرط صادر من مكتب العمل، يقتضي ألا «يعمل الموظف خلال فترة التظلم حتى يصدر قرار اللجنة لفض المنازعات له أو عليه، وإذا ثبت عمل الموظف في أي مجال ستسقط قضيته ويكسبها صاحب العمل (ص)». بهذه الطريقة نجد أن الموظف المسكين المغلوب على أمره يذهب بالإكراه إلى الشركة ويطلب منها الصفح، ويؤكد لها أنه سيسحب القضية على أمل إعطائه اخلاء طرف لكي يجد عملاً يسد به حاجات أسرته. حقيقة أتساءل وغيري من موظفي القطاع الخاص: لمصلحة من وضع هذا الشرط؟ وكيف غابت نقطة مهمة مثل هذه عن مسؤولي وزارة العمل، خصوصاً أنها نقطة تخير الموظف بين البطالة أو التنازل عن حقوق كفلها له النظام؟ إن من يمعن النظر جيداً يكتشف للوهلة الأولى أن لا أحد سيتقدم بشكوى إلى وزارة العمل على شركة فصلته من دون سبب وجيه، بل سيرضخ الموظف المسكين لقوة الشركة وسلبية وزارة العمل. بل لا أخفيكم أن هناك من سيفسر هذا الوضع بأن هذه الفقرة المحبطة وضعت لمصلحة أصحاب الشركات بطريقة غير مباشرة ومن دون اتفاق مسبق. ولكن هكذا وضع النظام ولم يراع حقاً من أبسط حقوق الموظف وهو المطالبة بحقوقه كاملة وأيضاً العيشة الكريمة التي تغنيه عن ذل السؤال. وقبل الختام أقول للوزير غازي القصيبي: إن استمرار العمل بهذا النظام العقيم لا يختلف عن منع الموظف من التقدم بالشكوى، ولذا فإن الأمل بعد الله معقود بحصافتكم بإزالة هذا الشرط وانتزاع حقوق الموظفين من أصحاب الشركات الذين قدموا مصالحهم واستغلوا الأنظمة أسوأ استغلال.