مساحة النقد الاجتماعي في صحفنا، وفي موقعي تويتر وفيسبوك هي مساحة خيالية لو قورنت بمثيلتها قبل عشر سنوات، فكيف لو تحدثنا عن ثلاثة عقود ماضية. النقد لم يعد يرحم أحداً فهو يطال كل المؤسسات، ولا يوفر مسؤولاً، وحتى أولئك الذين استعصوا على النقد دهراً أصبحوا في مرمى المساءلة. ورغم هذه الكثافة النقدية التي يشنها الإعلام الورقي والاجتماعي فإن المواطن لا يشعر بأن هناك تغيرات تلمس محيط حياته ومعيشته وفضاء حياته اليومية. الغلاء يتصاعد، والعقاريون يتحكمون في أسعار الأراضي وأثمان الإيجارات، والخدمات في تدهور دائم، والبطالة أصبحت كائناً مشروعاً في بلد يفيض بسبعة ملايين أجنبي، والأسهم تترنح منذ انهيارها العظيم بين 5000 و6500 نقطة، والتعليم لا يعد بقفزة تدخلنا إلى عصر جديد، وبما أن القائمة لا يمكن حصرها، فإن كل هذه الغابة من النقد والتشريح لا تلقى أي ردود فعل إيجابية، بل إن المنجزات الحقيقية التي تحققها بعض الوزارات أو الشركات تنغمر في محيط النقد الجارف. كانت الوزارات والمؤسسات والشركات خاصة وعامة، في الماضي، ترد على استفهامات المواطنين، لأنها قليلة، ولأن تدبيج الردود المسهبة كان سهلاً، أما اليوم فأمام جحافل النقاد والشاتمين أحياناً تراجع الجميع عن الرد أو التعليق، لأنهم بحاجة إلى كتيبة من موظفي العلاقات العامة ليردوا على ما تنثره الوسائل الإعلامية الجديدة من انتقادات وقدح. والمشكلة فيما أقدر أن المشكلات تتراكم عبر السنين، فحين يحل مسؤول في منصبه الجديد فإنه لا يشعر بمسؤوليته تجاه أخطاء الماضي، التي تكون مفصلية ومعقدة، وتنحصر مهماته في الحاضر فقط، لكن المواطن لا تعنيه سوى النتائج التي تيسر سبل حياته بغض النظر عن المسؤول القديم أو الحديث فهم جميعاً في دائرة الاتهام والأصلح منهم هو القادر على تقليص عذابه اليومي، وتسهيل إجراءات معاملاته، ورفع مستوى معيشته، وتحسين تعليم أبنائه، وضمان صحتهم. قبل أيام، كنت عائداً بصحبة صديق عبر طريق الظهران – الجبيل الشهير الذي يخضع لتوسعة وبناء جسور وفتح مداخل له، منذ سنوات شديدة المرارة. قال لي رفيق الرحلة إن أحد الجسور المقامة فوق الطريق كان يفترض أنه قد اكتمل، بعد أن أعلنت اللوحة الإلكترونية أن المشروع بلغ الرقم صفر، منذ رمضان الماضي، لكننا نجتاز الأسبوع الأول من صفر فيما الجسر تحت الإنشاء واللوحة مطفأة. من تسأل عن هذا؟ مكافحة الفساد، أم الأمانة أم الإمارة أم وزارة المواصلات؟ لا أحد يجيبك، وعليك أن تهضم سوء الخدمات والوعود وتصريحات المسؤولين وأن تصبر..! إنني كثيراً ما أرى مقالات كتابنا وتغريدات المواطنين العامة والخاصة، وكأنها صنعت لاستيعاب فائض الشحنات التي تغلي في العقول والأفواه لتذوب في عالم سيبراني غامض وموحش، ولا سلطان لأحد عليه، فالجميع يكتب ويثير ويشاكس وقد يتخطى الخطوط الحمراء، لكن لا أحد يرد..! دعهم يكتبون، دعهم يغردون، فهذه حيلتهم..!.