عندما فكر في تزويج ابنه، لم يجد أفضل من ابنة صديقه، الذي تربطهُ به صداقة عائلية، وعِشرة. وتم الزواج بمباركة جميع الأطراف، ونتج عنه طفلة. ولكن الأرواح جُنودٌ مُجندة لم تأتلف، فتبدل الحال، وتكاثرت مشكلات الزوجين، ولا يعلم إلا الله حقيقة ما بينهما، فيَصلُ الخلاف لنقطة «ألّا عودة». ويتناقش الصديقان بعد أن استوفيا جميع المُحاولات الفاشلة لرأب الصدع بين الزوجين، ليدركا بأن الوضع مُحال، وأنه أصبح يُزعزع أسس العلاقة الأصيلة بين الأسرتين. فيتفقون على الطلاق بين مدامع الكبار، وبين صرخات الطفلة البريئة، التي كتب لها أن تعيش بعيدة عن أحد والديها، في الرياض، أو جدة.وعاشت الرضيعة مع أمها في بيت الجد، لتجد في جدها حياتها مجتمعة، وليشعر الجد بأن حفيدته هبة من الرب لتنعش قلبه، فعاش فيها حياة جديدة، وعوضته عن وحدته بعد وفاة زوجته. وكان الجد للأب مقدراً لمشاعر صديقه، فظل يبذُل قصارى جهده لإبقاء السعادة بقلب صديقه. وكبرت الصغيرة، وتزوج أبوها، وتزوجت أمها، ولكنها لم تشعر بالفارق، وهي في حُضن جدها. وبعد سنوات جاء الأب ليأخذ ابنته اليافعة، فشعر الجد بقلبه يفقد نبضاته، وأخبرهم بدموعه أنهم يستعجلون موته. ويتنازل الأب عن طلبه بعد مشاورة والده، وتُترك الزهرة المتفتحة لتكمل تبرعمها في حقل جدها بصدور رحبة، فتستمر العلاقات بين الأسرتين، وتزيد أواصر الاحترام بين الزوج ومطلقته. الطلاق لم ينسف ما بينهما، والثمرة نهلت من حب الجميع، ولم تشعر بأنها ضحية حرمان ولا أنانية ولا قسوة مجتمع. قصة حقيقة حصلت، وتحصل بين بعض الأسر النقية المؤمنة، التي لا تترك للشيطان سبيلاً عليها، ولا تجعل حكاياتها مضغة في الأفواه. الطلاق قد يكون أفضل الحلول عندما تُسد الطُرق. الزوج تزوج بسهولة، لأنه لم يُعطِ لمجتمعه مثالاً على من لا يُقدر بنات الناس، ومن لا يؤتمن، والمطلقة تزوجت مجدداً، لأن سُمعتها لم تُخدش. المطلقة حزنت ولم تشعُر بالفخر، ولم تحتفل بيوم طلاقها. والزوج لم يَدُرْ على المجالس يفند أسباب ما دعاه للطلاق. الأسرتان لصالح علاقتهما الجميلة، ولرعاية ابنتهما المشتركة، ترابطا أكثر، وتسابقا للخير، وكانت علاقتهما بعد الطلاق أمتن. الطفلة لم تكره أباً، ولا أماً، ولم تُجبر على عيشةٍ مع زوجة أب. الصغيرة كبُرت، بنفسية سليمة، وبنظرة مُحبة لجميع من حولها، فلا يوجد من يسيء لعزيز لديها. سمعة والدها نقية في عينيها، لا يوازيها إلا سمعة أمها. قلب أمها قريب منها مستجيب، بنفس قرب واستجابة والدها. حنان الكون يأتيها بإغداق من قلب جدٍ، لم يعد يرى له حياة بدونها. فأي حياة بديلة وجدت نفسها فيها بأجمل وضع تتخيله، بعد طلاق والديها. الطلاق حلال، ومهما كان مُبغضاً، ولكنه يظل نعمَ الحل، إذا عزت الحُلول، وبالأخص إذا كان لا يقطع، ولا يمنع، ولا يسيء، ولا يحرم.