رغم مصاعب الحياة ما زال يبتسم، وُلد أصم أبكم، ولم يدخل اليأس إلى نفسه يوماً، أو الإحباط لروحه البشوشة، وحاز على حب وتقدير المجتمع عبر اختلاطه اليومي بجميع شرائحه، إنه علي سعيد عوضة الأثلي (35 عاماً)، الذي صبر على إعاقته ورضي بقضاء الله وقدره رغم كل الخيبات التي واجهها. الأجمل في حياتي يقول الأثلي وقد فسر صديقه علي هادي القحطاني لغته بالإشارة «أنا الوحيد المصاب بين إخوتي بهذه الإعاقة، ولدت في بادية (بني شهر)، في ظروف هي الأجمل في حياتي، فليس في البادية ما ينغص معيشتنا، ولا نمتلك غير بيت الشعر وقطيع من الأغنام، إلا أن والديّ حفظهما الله ضاقت بهما الأرض لرؤيتي أصم وأبكم، وفكرا طويلاً في علاجي، حتى تركا البداوة التي كانت لهما بمثابة الحياة، واستأجر والدي بيتاً لنا في مدينة (تنومة)، وبدأ معي رحلة العلاج متنقلاً بي من مستشفى لآخر ولم يتجاوز عمري حينها الأربع سنوات». لا أمل في علاجي كانت نتائج فحوصات الأثلي مخيبة لرجاء والدته ووالده، اللذين كانا يلهجان بعد كل زيارة طبيب بالدعاء له، وأضاف الأثلي «رضي والدي بما قسمه لي الله، وكبرت يوماً عن الآخر، وحينما رأيت أطفال الحي يتكلمون ويسمعون بعضهم شعرت بأني مختلف عنهم، كما أن نظرات بعضهم كانت تزعجني، فما كان مني إلا سؤال والدي عن سبب تلك النظرات الساخرة، ولماذا أنا محروم من الكلام والسمع، فما كان يرد علي إلا بالبكاء، وعندما بلغت الست سنوات، حاول أبي تسجيلي في مدرسة ابتدائية في الحي الذي نسكنه، إلا أن التعليمات الصادرة من وزارة التربية والتعليم منعت قبولي كوني من ذوي الاحتياجات الخاصة، واشترطوا تسجيلي في معاهد للصم والبكم، وكان أقرب معهد آنذاك في مدينة أبها ويبعد عن مدينة تنومة 120 كيلومترا، فالتحقت به وحصلت على شهادتي الابتدائية والمتوسطة بتفوق ولله الحمد، وبدأت بالاختلاط مع أقراني الأصحاء وتكونت لدي صداقات وعلاقات طيبة، حتى تخرجت». أحلام زائفة حينما كان والدا الأثلي يمتعان أنظارهما بشهادته، أراد هو إسعادهما برؤيته رجلاً موظفاً له مكانته، وبدأت رحلته في البحث عن وظيفة، وبناء أحلامه التي زافت أمام إعاقته، ويقول «تمنيت رد جميل والديّ ووأد حزنهما العميق لإعاقتي، إلا أن أحلامي كلها ذابت ولم أستطع تحقيق شيء منها لأني لم أجد وظيفة، وبقيت فترة زمنية وحيداً خائب الرجاء، ففكرت في نفسي، وكيف سيمكنني إتمام حياتي ومن سترضى بالزواج مني وأنا أصم أبكم؟ فخطرت في بالي أخت صديقي الحميم، وهي مثيلة لي في الإعاقة، فحدثت والدي عن رغبتي بالزواج منها سريعاً، خاصة وأني أعلم أن الفتاة السليمة لن ترضى بي، فتجارب زملاء لي في مثل حالي جعلتني أختصر المسافة وأفكر في هذه الفتاة». شروط تعجيزية وبيّن الأثلي أنه تقدم لبنك التسليف ليعينه على الزواج، إلا أنه فوجئ برفضهم طلبه، كما أنه وجد شروط التسليف تعجيزية وتفوق طاقته، ويقول «لم يبقَ لوالدي إلا الاستدانة، وباعت أمي ذهبها لمساعدتي، حتى تزوجت من الفتاة التي اخترتها، لأجد حياتنا معاً في منتهى الصعوبة، فلا هي تسمع ولا أنا، وكلانا لا يتكلم، فكنت أستعين بخاصة (الاهتزاز) في جوالي لأستيقظ من نومي، ومع مضي الوقت زادت مسؤولياتي وزوجتي، فلم تتحمل هي بطالتي، وكبرت المشكلات بيننا نتيجة لذلك، حتى قررنا الطلاق، وكل راح في حال سبيله». ولم يتورع الأثلي عن البحث عن وظيفة حتى هذا اليوم، يستطيع بها أن يكون شخصاً نافعاً لنفسه، فما زال يتأمل رؤية استقراره الضائع نتيجة إعاقته بروح بشوشة وعزم غير متناهٍ.