سامي عبدالله المنصوري كيف سيكون سبيل الدعوة دون وجود عنصرَي الحوار والتعايش اللذين قد يرفضهما بعض المنغلقين على أنفسهم؟ لماذا هم لا يتقبلون الآراء حتى وإن كانت على خطأ بائن ويغلقون حواسهم عندما يتحدث إليهم الآخرون فيعالجونه وفق ما تقتضيه الشريعة السمحة والمصلحة العامة؛ فيردون الحجة بالحجة والدليل بالدليل ويعرفون بأن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية كما يقال؟ ولماذا هم أيضاً يفضلون الانتماء إلى فريق إن لم تكن معي فأنت ضدي و»عدوي»؟ لابد أن يعلم البعض أنه ليس من الضرورة المطلقة أن تكون آراؤهم صحيحة، قد يكون في حكمهم على الآخرين نوع من أخذ العزة بالإثم والانحياز الأعمى الذي لا يفرق بين حق أو باطل بسبب تعصب لرأي أو فكر أو معتقد، فوجود شيء من التفكير العميق والمهذب الذي يتجه بالحوار إلى القلوب والعقول مباشرة لا إلى ذوات الآخرين قد يكون له مفعول السحر في معالجة كثير من الأمور فالكلمة طلقة إذا خرجت لم تعد أبداً. عند تبادل الآراء وتباين وجهات النظر في موضوع ما قد يحدث أحياناً أن يكون أحد الطرفين على خطأ أو جانب الحق والصواب، عند ذلك وجب علينا أن نعي بأن إيصال الفكرة وإن كانت صحيحة هو فن بحد ذاته، وقد لا يتقنه كثير من المحاورين حتى وإن كان ما يريدون تبيانه صحيحاً. فالله سبحانه وتعالى يقول لنبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم- وهو الذي وصفه بأنه على الخُلق الأتم الأعظم «ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك» (آل عمران، 159)، هذه دلالة إلهية وإرشاد رباني كريم إلى الطرق الصحيحة والمثلى في اتباع سبيل الدعوة والنصح والإرشاد عن طريق الحوار مع الآخرين، الذي قد يرفض بعض الناس فكرته من الأساس وكأنهم لم يقرأوا قوله سبحانه «ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين» (النحل، 125).