في سياق نتائج البحث الذي أنجزه الدكتور ناصر بن عبدالكريم العقل حول الدعوة السلفية، أقر بأن الدعوة تضررت من زلات بعض علمائها ومنتسبيها، إلا أن الإنصاف يقتضي عدم تعميم تلك التصرفات على كل مخرجات الدعوة. مشيراً إلى أن العبرة في «الأصول التي قامت عليها الدعوة، والمنهج الذي تأسست عليه، وسار عليه الغالبية من منسوبيها». وقال: «تبين من خلال استعراض تاريخ الأمة الإسلامية عموماً وجزيرة العرب ونجد على الخصوص أنها في القرن الثاني عشر الهجري وصلت إلى مرحلة من التدهور والفوضى، والتخلف والجهل، وهيمنة البدع وغربة السنة – كانت فيها بحاجة ماسة إلى الإصلاح والتجديد، فجاءت دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب بقدر الله تعالى تحقيقاً لوعده سبحانه بأنه يبعث لهذه الأمة في كل قرن من يجدد لها دينها كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث: «إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها». وقد توافرت في هذه الدعوة وإمامها ونتائجها صفات التجديد وسماته. وتوصّل إلى أن «الناظر في حقيقة الدعوة حين يعرضها على الأصول الشرعية والقواعد العلمية المنهجية والعقلية السليمة، يجد أنها تقوم على أصول الحق والعدل، وأنها تعني الإسلام جملة وتفصيلاً، وأنها امتداد طبيعي لسنة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وأئمة الدين السلف الصالح عبر التاريخ. وأن كل ما أشاعه الخصوم الجاهلون بحقيقة الدعوة وإمامها وأهلها ودولتها من المفتريات والاتهامات والمزاعم لم يثبت منه شيء (بحمد الله) أمام التحقيق العلمي، والبحث المتجرد المنصف، وأن واقع الدعوة يكذب ذلك في كل جوانبه، من خلال سير أئمتها وعلمائها، ودولتها وما يمثلهم ويمثل دعوتهم من الكتب والمؤلفات والرسائل، والسير والمواقف والأحداث، وواقعهم الذي يعيشونه وسائر أحوالهم، إلا النادر، والنادر لا حكم له». وسجل العقل في نتائجه، تأكده أن «كثيراً من نقاد الدعوة إنما يأخذون عليها زلات بعض علمائها أو تصرفات بعض أتباعها: من الشدة والحدة والجفاء ونحو ذلك في حين أنهم لا يجدون ما يطن في الدعوة من حيث مضامينها وأصولها وغاياتها ومناهجها، لكنهم لا يفرقون... وهذا ظلم وجور وتحامل لا يجوز. نعم توجد لدى بعض المنتسبين للدعوة مظاهر شدة وحدة وجفاء، وغلظة وقلة حكمة وقلة صبر، وهذا حق يجب الاعتراف به وعلاجه من العلماء والولاة والعقلاء، لأن لهذه المظاهر عوامل نفسية راجعة إلى ضخامة الباطل وكثر البدع والفجور، وإصرار أهلها عليها، واستفزاز أهل الباطل لأهل الحق، ثم قلة العلم والتجربة عند بعض شباب السنة، والعبرة بالأصل والمنهج وما عليه العلماء المعتبرون والعقلاء، أما الزغل، وما يشذ من زلات وتصرفات مواقف غير لائقة من بعض المنتسبين فهذا مما لا يحسب على المنهج والأصل، ومما يسلم منه دين ولا مبدأ ولا دعوة ولا أمة ولا مجتمع». إلا أن الدعوة السلفية على رغم الانتقادات التي وجهت إليها والتشويه الذي عانت منه منذ انطلاقتها كما يرى الباحث، إلا أن التاريخ والواقع أثبتا أن أثرها تجاوز الجزيرة العربية إلى آفاق شتى من العالم، حتى دفعت بعض منتقديها إلى التأثر بها وإن لم يقروا، إذ كانت «سبباً في تخفيف مظاهر الغلو والابتداع واضمحلال مظاهر الشركيات والشعوذة والدجل، وزوال كثير من المشاهد والمزارات والقباب، وتناقص رواد هذه المبتدعات ونحوها. واستطاعت الدعوة أن تجر خصومها إلى الاقتراب من أصول الحق، والابتعاد عن الشطط بعض الشيء، كما أنها لفتت نظر كثير من أتباع الفرق والطرق إلى أهمية الرجوع إلى الكتاب والسنة، والارتباط بالدليل الشرعي». ورأى العقل أن «ما يكون لبعض المنصفين والمحايدين ونحوهم من ملاحظات واستدراكات على الدعوة وأتباعها (هو) مما لا يضر بالأصل، ولا يضيق به الصدر، ولا كمال إلا لله تعالى ولا عصمة إلا لرسوله صلى الله عليه وسلم. وأعني بذلك أنه توجد ملاحظات ونصائح، مؤاخذات واستدراكات قيمة ومفيدة يجب على علماء الدعوة وأتباعها الإفادة منها، ورحم الله من أهدى لنا عيوبنا. وكثيراً ما يأتي نقد مفيد وهادف ليس من الصديق فحسب، بل أحياناً من المعادي والمخالف، فضلاً عن المنصف والمحايد، فالحق أحق أن يتبع، أو الاعتراف بالحق فضيلة». وفي جانب التوصيات، أكد الباحث أن «المراجعة والتقويم» يقتضيان الجزم بأن أمور الدعوة في شموليتها على قسمين: القسم الأول: ما يتعلق بالمضامين والأصول والقطعيات في الدين والمنهج، فهذه من الثوابت التي تمثل الإسلام والسنة ولا مجال فيها للتنازل والتبديل والتغيير لأنها تحكمها قاعدة: «كل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة». والقسم الثاني: وهو ما يتعلق بالأساليب والوسائل والاجتهاديات، وهي ما يجب على كل من يهمه أمر هذه الدعوة، ويهمه أمر السنة والإسلام والمسلمين، أن يبذل قصارى الجهد المعنوي والمادي، لمراجعة الأساليب والوسائل في الدعوة إلى الله، والإفادة من الوسائل الحديثة – بالضوابط الشرعية – لتقويم الأساليب والوسائل ومراجعتها وتحديثها دراسة وتخطيطاً وتنفيذاً وتمويلاً». وفي حين طالب الباحث بتوصيات عدة، معظمها مطبق فعلياً في الواقع السعودي مثل التوسّع في فتح مجال المنح الدراسية للطلاب خارج المملكة للتعرف على الدعوة من مصادرها الأصلية، وقف الكاتب كذلك عند جانب المحاسبة الذاتية. وقال: «لوحظ من خلال نتائج الاستبانات التي سبق عرضها في مبحث سابق من هذا المؤلف – ورود عدد من الملاحظات والنصائح والوصايا القيمة التي يجب الأخذ بها واعتبارها والتي مفادها: أن بعض الدعاة والمنتسبين للسنة والدعوة قد يتّسمون بشيء من الحدة والشدة والجفاء، والتسرع ونحو ذلك. ومن المعلوم أن هذه الخصال تنافي ما أمر الله به وشرعه رسوله صلى الله عليه وسلم من الرفق، والتيسير، والتسديد، والمقاربة، وتوخي الحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، ودرء المفاسد، والإشفاق على المسلمين والصبر والحلم والأناة. وأن يكون قصد الداعي: الإصلاح والنصيحة، وهداية الناس، وأن يكون الداعي على بصيرة وفقه بما يدعو إليه، وأن يكون قدوة. وهذه الأمور ليست نتيجة آراء أو تجارب الآخرين بل هي وصية الله تعالى، ووصية رسوله صلى الله عليه وسلم، وأذكّر القارئ في هذه العجالة ببعض النصوص الواردة في هذا الأمر العظيم: قال الله تعالى (قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين) (18) «سورة يوسف، آية: 108». وقال (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) (125) «سورة النحل، آية: 125». وقال: (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين) (23) «سورة فصلت، آية: 33». وقال: *(ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا ءامنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون) (46) «سورة العنكبوت، آية: 46». وقال: (فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) (159) «سورة آل عمران، آية: 159». وكان النبي صلى الله عليه وسلم رفيقاً حليماً في دعوته للناس مؤمنهم وكافرهم، لا يعنف ولا يماري، وقال صلى الله عليه وسلم «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شأنه».