«سارة» فتاة عشرينية هربت من منزل أسرتها عبر نافذة دورة المياه، وأخرى عشرينية تضرم النار في منزلها في شمال الطائف وتلوذ بالفرار، وزوج في صبيا بجيزان يسكب ماء النار على وجه زوجته بسبب خلافات أسرية، وفي محافظة ضباء يفاجئ طالب المرحلة الابتدائية الذي لم يتجاوز عمره الثماني سنوات معلمه بثمانية «فتوات» لينهالوا عليه ضربا ولكما، بينما تشير الإحصاءات إلى أن المجتمع السعودي يُشهر حالة طلاق واحدة كل 40 دقيقة بمعدل 33 حالة يومياً و12192 في العام. تلك الأخبار التي أصبحت تعج بها صحفنا تثير تساؤلا ليس بمقدورنا أن نغض البصر أو ندفن رؤوسنا كالنعام للسكوت عنه. ما الذي يحدث في أسرنا، وهل أصبح مجتمعنا مفككا؟ قبل أعوام قد لا تتجاوز العشرين عاما كنا لا نسمع أن امرأة هربت من منزل أسرتها فذلك كفيل بأن يلحق العار بالأسرة لقرون قادمة، ولم نكن ننظر إلى الرجل عندما يمارس العنف على زوجته أو أبنائه إلا بالرجل عديم المروءة، وأن الطفل عندما يمارس حياته التعليمية لا نريد من معلميه إلا العظم شريطة تأديبه وتعليمه، كانت قرانا ومدننا رغم الفقر متكافلة، إذن ما الذي حدث؟ لا شك أن التغيرات الحضارية التي شهدها المجتمع السعودي ساهمت في تفتت الأسرة الكبيرة، حيث اقتضت حتمية التحول من نمط الحياة التقليدي إلى النمط الحديث أن يقلص دور تلك الأسر الممتدة وتلك المساندة القبلية والعشائرية والتي كان لها دور في إخفاء مظاهر السلوكيات السلبية والفقر لدى أفرادها لانتمائهم في الغالب لمجتمعات متجانسة ومن شأن التجانس تحقيق التوافق والتجاوب والتآزر، ومن ثم إحداث شعور بالأمن الاجتماعي وتغطية الفروقات وإشباع الاحتياجات وحل المشكلات الخاصة بأفراد الأسرة حيث كانت المصلحة الجماعية هي السائدة والغالبة على المصلحة الفردية. تلك التغيرات ضربت بجذورها في مجتمعنا بعد أزمة حرب الخليج «الثانية» حيث شهدت المملكة، كما أكدت ذلك الدكتورة الجازي الشبيكي الأستاذ في جامعة الملك سعود في دراستها البحثية والتي تعد من أهم الدراسات التي تطرقت لظاهرة تغير المجتمع السعودي ، أزمة اقتصادية أحدثت العديد من قضايا البطالة والفقر والهجرة غير المتوازنة وما تبع ذلك من مشاكل وسلوكيات انحرافية وطلاق وعنف أسري وبعض السلوكيات التطرفية وغيرها، حيث كانت الأسرة هي المتضررة الأولى من ذلك كله وأكثر من يتحمل عبء تلك القضايا والمشكلات. إن المظاهر التي نشاهدها داخل أسرنا وشوارعنا وحتى في محاكمنا مؤشرات حقيقية على وجود بواكير للتفكك الأسري، فالعنف الأسري ما هو إلا مظهر من ذلك التفكك حيث أصبح علامة فارقة في مجتمعنا، مما حدا بمدير الحماية الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية بالتصريح بأن إدارته المختصة في «العنف الأسري» تتلقى أسبوعياً من خمسة إلى ثمانية بلاغات؛ إما هروب الفتيات الذي أصبح بعبعا لكثير من أسرنا، فقد كشفت إحصائية قامت بها هيئة الأمر بالمعروف في ظل عدم وجود إحصائية رسمية من وزارة الشؤون الاجتماعية أن أعداد الفتيات السعوديات الهاربات من منازلهن على مدى ثماني سنوات بلغن 529 حالة، تصدرت الرياض المقدمة ب 342 حالة، وليس الطلاق ببعيد عن ما ذكر سابقا، فقد ارتفعت معدلاته حتى بلغت نسبة عقود الطلاق إلى الزواج 21 % وهي نسبة كبيرة ومقلقة عادة ما يكون ضحيتها المرأة. تلك المؤشرات الدالة على وجود التفكك الأسري في مجتمعنا والتى تزيد تأكيدها زيادة أعداد النساء المستفيدات من مخصصات الضمان الاجتماعي إضافة إلى أن أغلب فئات الجمعيات الخيرية هن من النساء، نحتاج من مؤسساتنا كوزارة الشؤون الاجتماعية والتعليم بشقيه العام والعالي ومؤسسات العمل المدني ووسائل الإعلام أن لا تكتفي بدور الملاحظ والمتابع والمتباكي فقط، بل عليها أن تساهم بفاعلية في معالجة ذلك من خلال التوعية الجادة وإقامة البرامج الوقائية والإنمائية والعلاجية للأسر المقبلة على الزواج كإنشاء مراكز للتعليم والتدريب على التعامل بين الرجل والمرأة بحيث لا يتم عقد النكاح إلا بعد اجتيازهما لتلك الفنون الاجتماعية، وتعميق دور الأسرة في مناهجنا التعليمية، ومن جانب آخر يجب أن يكون هناك تدخل حقيقي لتخفيف حالة تلك المظاهر من خلال خطط التنمية الوطنية التي عليها الارتكاز على الأسس العلمية السليمة المبنية على قاعدة وافية من المعلومات حول المشاكل المجتمعية، ثم إدماجها في أهداف خطط التنمية واستراتيجياتها باتساق وتكامل مع قضايا المجتمع الاقتصادية، و توضيح للآليات الملائمة لمعالجتها وتوزيع لمسؤوليات القيام بها بين الوزارات المعنية والجهات ذات العلاقة بتوقيتات محددة ومسؤوليات محاسبية وتقويم دوري.