قرأتُ ذاتَ زمنٍ كتاباً للجاحظِ عنوانه: “البرصان والعرجان والعميان والحولان” وتوقّفتُ كثيراً عند الباب الأخير: (القول في الأيمن والأعسر والأضبط)، وأكثر ما جاء فيه: التعريف بأسماء من اشتهروا بالعُسرِ ومنهم الفاروق عمر بن الخطاب وشاعر المعلقات زهير بن أبي سُلمى وغيرهم كُثر! ومازلتُ حتى اللحظةِ أتساءلُ لمَ كتبَ الجاحظ باباً عن: فضل الأيمنِ على الأعسر وتركَ العسراويين دونما فضلٍ! يقول: الناس يقتسمون في هذا على أربعة أقسام: أيمن: وهو الذي يكون أكثر أعماله بيمينه. أعسر: وهو الذي يكون أكثر أعماله بيساره. أضبط وهو الذي يعمل بهما جميعاً. أعسر يَسَر: وهو الذي يكون استعماله ليمينه كاستعماله ليساره. نعود لهذا الأعسر الذي يمثّل من 10 إلى %15 من البشر.. نعم نسبة قليلة جداً قد لاتُعار اهتماماً مطلقاً، لكن: هل فكرتم مرة في التعامل مع تركيبة هذا الأعسر “العقلية والنفسية والمزاجية”؟! وهل عرفتم المبررات المنطقية في اعتماده على الجزء الأيمن من المخ حيث الوجدان والخيال؟! وهل راعيتم تحكم ميوله الوجداني والتعبيري وتفوق قدراته العقلية في الفنون حين عاملتموه بالتحليل والمنطق حيث تحكُّم أدمغتكم؟! لماذا يراهم الغرب ظاهرة من ظواهر النبوغ والذكاء والنباهة والعبقرة، فصنعوا لهم جمعية للحفاظ على حقوقهم والدفاع عن طبيعتهم تحت مسمى “جمعية العسر العالمية” تحتويهم كل يوم 13 من أغسطس. بينما لدينا يرونه وصمة ضعف عقلي وقلة إدراك، مما يولّد الشعور لديه بالدونية لقناعة أغلبهم أن اليد اليسرى هي يد الشيطان وتمثّل الدناءة، لماذا؟!