دخلت عليه في عيادته بمستشفى فلسطين في مصر الجديدة بالقاهرة أثناء إقامة معرض الكتاب الدولي فيها مطلع هذا العام 2010 م، فاستقبلني هاشا باشا وأحسن الاستماع إلى شكواي وفحصني وأرشدني لكيفية التعامل مع ألم الظهر الذي كنت أشكو منه ولا أستطيع وقتها أن أمشي لأكثر من 30 مترا متواصلة، وما أن ارتحت له ووصف لي بعض الأدوية ومنع عني بعضها الآخر مما وصفه لي قبله زميله، حتى مازحته عندما رأيته يكتب بشماله الوصفة الطبية (الروشتة) فقلت له ما وجه القرابة بينك وبين الرئيس الأمريكي أوباما ؟ ضحك واعتبرني أخرف أو أمزح، وقال: ولماذا شبهتني بالرئيس أوباما، قلت: كلاكما تكتبان باليد اليسرى يعني أعسرين فضحك . هذا ما جرى بيني وبين الدكتور جورج حنا. عدت لما سبق أن كتبته في المجلة الثقافية ملحق الجزيرة بتاريخ 28/5/1424ه تحت عنوان (الكتابة بالشمال والقصور العقلي)، وكذا ما كتبته في المجلة العربية لشهر المحرم 1429ه تحت عنوان (هل من يكتب بشماله يعد خارجا عن المألوف؟). استعرضت فيها آراء مختلفة حول من يكتب بيسراه، والذي دفعني لذلك أني اكتشفت أن حفيدي زياد ونجلاء ابنا ولدي يعرب يكتبان بيسراهما، فعدت لمجلة العربي في عددها (29) لشهر شعبان 1380ه الموافق شهر أبريل 1961م إذ كتب رئيس تحريرها الدكتور أحمد زكي عن التماثل اصطلاحا: أن كل جزء في جانب من هذا الشيء له نظيره في الجانب الآخر من حيث الحجم والشكل والمضمون. واختتم مقاله بقوله : «.. ونحن نعلم أن كل المهارات التي تكتسبها اليد، وغير اليد إنما مقرها المخ فهو بادئها، وهو ضابطها، وهو المضيع لها إذا ضيعت، والشبه الذي لا بد أن يعرفه كل إنسان أن المخ نصفان، متماثلان، ظاهرا، يمين ويسار، وأن النصف اليمين من المخ هو ضابط كل حركة الجزء الأيسر من الجسم، فإذا اكتسبت اليد اليمنى مهارة فوق اليسرى فمعنى هذا أن النصف الأيسر من المخ زاد على الأيمن كفاية وحسن أداء».. وقيل فيما مضى أن مستخدم يده اليسرى شاذ وغريب، وكانوا يحملون الآباء والأمهات مسؤولية ذلك منذ الصغر، وهذا يذكرني بما سبق أن ذكره الصديق عبد السلام الحميد رئيس مجلس إدارة نادي حائل الأدبي، فعند دخوله المدرسة في صغره كان يكتب بيسراه فحاول مدرس الفصل أن يمنعه، بل ويهدده ويضع قلم الرصاص بين أصابعه فيضغط عليها بقوة والطفل يبكي .. وعند ذهابه للبيت يحاول أن يستعطف والده لمنع المدرس من هذا التصرف .. ولكن أمله قد خاب إذ وقف والده إلى جانب المدرس.. ومع ذلك استمر في الكتابة بيسراه حتى الآن. وقيل إنه كثيرا ما تنتهي محاولة إجبار الطفل على استعمال يده اليمنى بمشكلات عصبية ونفسية تؤثر في شخصيته المستقبلية.. فولادة أحدهم (أشول) أو (أعسر) أمر خارج عن إرادته ويتعلق بتركيبة دماغه وجهازه العصبي.. وفيما مضى كانت الكنيسة ترى أن الذي يستخدم يده اليسرى هو شيطان، أو من أولاد الشيطان، أو عليه عفريت، أو عليه اللعنة، وكان في اليابان إذا اكتشف أي رجل أن زوجته تستعمل يدها اليسرى فمن حقه أن يطلقها، لأن الشر في اليسرى. ومن الناحية العلمية فاستخدام اليمنى أو اليسرى لا علاقة له بالتربية والتعليم وإنما هي مسألة خلقية بكسر الخاء موجودة في المخ، ولا دخل للإنسان في ذلك. ويرى الباحث الإنجليزي ماك مالوس في كتابه (اليمنى واليسرى)، أن أكثر الذين يستخدمون اليسرى هم الأكثر ذكاء وإبداعا.. وهذا واضح عند كثيرين من رجال السياسة والفن. ويذكر فهد الأحمدي في مقاله اليومي (حول العالم) بجريدة الرياض ليوم الإثنين 20/9/1431ه ، 30/8/2010 م، تحت عنوان (بماذا يتفوق العسر؟) والذي دفعه لهذا البحث أن ابنته رسيل مثل (26%) من البشر على كوكب الأرض تفضل استعمال يدها اليسرى وقال : «.. فلسبب غامض ترتفع نسبة الإبداع والتميز بين العسر بخمسة أضعافها لدى اليمن ..» . وقال : «.. وهناك دراسة قام بها باحثون في جامعة مونبلييه الفرنسية أكدت وجود العسر بنفس النسبة السابقة لدى الإنسان ما قبل التاريخ ..» . وهناك كثير من الأسماء المهمة في التاريخ ممن اشتهر عنه الكتابة بشماله منهم: عمر بن الخطاب، ويوليوس قيصر، والاسكندر الأكبر، ونابليون، وزوجته جوزفين، والملكة فكتوريا، وجان دارك، وأخيرا بيل جيتس صاحب شركة ميكروسوفت، واللاعب بيليه، ومن الفنانين دافنشي، ومارلين مونرو، والرسام الشهير بيكاسو. ونجد أن رؤساء أمريكا على ذمة صحيفة (نيويورك صن) يمثل من يكتب بشماله (10%) هم من العسر: جرالد فورد، وهبريت هوفر، وجارفيلد، وترومان، ورونالد ريغان، وجورج بوش الأب، وبيل كلنتون، وأخيرا الرئيس أوباما ومنافسه جون ماكين، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.. وهناك الكثيرون ممن لم أذكرهم في المقالين السابقين، مثل وزير خارجية سوريا وليد المعلم، والكاتب نجيب الزامل والفلكي الدكتور عبد العزيز المرمش الشمري، والأستاذ الدكتور صالح جواد الطعمة. وهناك من يعزف على العود بيسراه، مثل أبو بكر سالم بالفقيه، وعمر باعشن. ذكر ذلك الدكتور عبد الله مناع في (بعض الأيام وبعض الليالي). وأخيرا.. فقد ذكر الكثيرون من العلماء أن العسر الذين يستخدمون النصف الأيمن من دماغهم أكثر قادرون أكثر على وضع تصور أشمل للمشكلة، والقيام بمهام عدة في الوقت ذاته، وإظهار حس إبداعي. والله أعلم.. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 143 مسافة ثم الرسالة