هل يكفي استحداث هيئة لمكافحة الفساد للإجهاز عليه؟ وعلى صلة بذلك، كيف يُكافح الفساد؟ وهل هناك أسس ومعايير وإرشادات لمكافحة الفساد في القطاع الحكومي؟ بدايةً، من المفيد بيان أن الشفافية هي شرط لازم لمكافحة الفساد الإداري والمالي، وإلا سيتحول عمل الهيئة إلى عمل "استخباراتي"؛ يبذل الكثير من الوقت والجهد والمال للترصد وصولاً للمعلومات. ولما يُترك أمر اكتشاف الفساد للمصادفة ما دام بوسعنا إصدار قانون حاكم وتنظيم ناظم ولوائح محكمة لتحقيق حد أدنى من الشفافية في الجهاز الحكومي والمؤسسات التابعة وتشكيلاتها وتفريعاتها التي اتخذت التكتم على المعلومات نهجاً؟ أما عندما نوجد بنية تحتية للافصاح والشفافية تصبح المساءلة والتحقق من النزاهة أقل صعوبة. قبل نحو 14 عاماً أصدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وثيقة "قواعد لإدارة النزاهة في الخدمة العامة" تتضمن 12 قاعدة ذهبية. وباختصارٍ آمل ألا يكون مخلاً، القواعد هي: الوضوح، والاطار القانوني، والإرشاد المهني، ومعرفة الموظفين العموميين حقوقهم وواجباتهم، والقدوة الحسنة، وشفافية اتخاذ القرار وتقنين خطواته، وتقنين الاتصال بين القطاعين الحكومي والخاص، وتحفيز المسئولين للأداء الأخلاقي، وتحفير اللوائح والسياسات والتعليمات والإجراءات للأداء الأخلاقي، وتحفيز إدارات الموارد البشرية في الجهات الحكومية للأداء الأخلاقي، وتوفير الآليات لمساءلة الموظف العام عن النهج والنتيجة، وتوفر الآليات والعقوبات للتعامل مع سوء التصرف. عند التمعن، نجد أن القاعدة الأخيرة (12) هي فقط المتعلقة بعمل هيئة مكافحة الفساد أي تتبع والكشف عن الفساد ومعاقبة الفاسدين. أما القواعد الإحدى عشرة الأولى فترتكز إلى تأسيس إطار أخلاقي/ قيمي للتعامل النزيه وتبيان مزالق سوء التصرف والتصرفات التي تتناقض مع النزاهة. وفيما يتعلق بالشفافية والافصاح، فلدينا تجربة إيجابية رغم أنها قيد التطور والاكتمال هي تجربة هيئة السوق المالية وإصرارها على تحقيق حد ادنى من الإفصاح في الشركات المدرجة في السوق: مالياً عبر نشر القوائم بانتظام، ومعلوماتياً عبر نشر أي خبر مؤثر دون تأخير، وإجرائياً عبر تطبيق لوائح الحوكمة. ورغم أن مرجعية الجهاز الحكومي هي للدولة وهو يمول من الميزانية العامة، إلا أن مستوى الافصاح والشفافية والحوكمة فيه أقل مقارنة بالشركات المساهمة المدرجة وحتى غير المدرجة.