هل يتوجب على حركة المقاومة الفلسطينية -حماس- أن تدفع هذه المرة ضريبة نزق وغرور وصلف بنيامين نتنياهو، هذا السياسي الذي شن حربا على غزة لتحقيق (أهداف انتخابية) وإحراز مكاسب تحويها أجندته السياسية غير المعلنة؟. فالشيء المؤكد أن «حماس» وبعد عدوان 2008 – 2009م قد التزمت بجميع تعهداتها التي قطعتها لإسرائيل؛ سعيا منها لكسب رضا الشريك الأميركي، وضمان المقام الآمن في غزة. فالجميع يعرف أن حكومة حماس خلال الفترة الماضية قد شنت حملة مطاردات عنيفة ضد الجماعات الجهادية المتطرفة، والجماعات السلفية التي كانت تعمد لإطلاق الصواريخ على إسرائيل، وتقوم بإرسال شبابها عبر الحدود إلى الداخل الإسرائيلي. بالإضافة إلى ذلك فقد اصطبرت حماس على المضايقات الإسرائيلية، وامتنعت عن الرد على التحرشات الإسرائيلية أيضا خلال الشهور الماضية؛ سعياً منها للوفاء بالتزاماتها الأمنية تجاه إسرائيل. وعلى الرغم من ذلك فقد كانت التصريحات الإسرائيلية تعتبر حماس هي المسؤولة دوما عن أفعال هذه الجماعات المنفلتة والمسلحة التي ليس لحماس سلطة سياسية أو أمنية عليها. الأمر الأكثر مدعاة للسخرية أن إسرائيل في السابق كانت تقوم بعمليات قصف جوي كرد على تصرفات هذه الجماعات الجهادية، فقد كانت تستهدف بالدرجة الأولى وبشكل رئيسي مناطق حماس، وليس مناطق وجود هذه الجماعات التي لم تسلم من أذاها حتى حماس نفسها. بالمقابل فإن مصر تدرك جيدا أن هذه الحرب موجهة بشكل رئيسي ضدها. فنتنياهو إضافة لأهدافه الانتخابية فهو يسعى أيضا لإحراج الرئيس مرسي وحكومته أمام شعبه أولا، وامام الشعوب العربية أيضاً. فنتنياهو يريد أن يقول للجميع، بأن وضع مصر في التعاطي السياسي مع قضية العرب الأولى -فلسطين- في عهد مرسي لا يختلف عنه في عهد مبارك. فالرئيس مرسي يرسل رئيس وزرائه قنديل في زيارة خاصة، ويصدر بيانات التنديد، ويهدد بسحب سفيره، وهو ماكان يمارسه الرئيس السابق مبارك عندما كان في السلطة. فقد كان يعمد عند اشتداد أية أزمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى تكرار نفس السيناريو الذي كان يشمل إرسال رئيس مخابراته عمر سليمان ليقوم بزياراته التطمينية، وإصدار البيانات المنددة والتهديد بسحب السفراء. من المؤكد أن نتنياهو وحكومته المتطرفة لا تعطي كثير بال لقضية السلام، ولعل آخر أفعالها المتمثلة في تعاطيها سياسيا مع حكومة الرئيس مرسي مايؤكد ما ذهبت إليه في هذا الشأن. فالرجل قد أبدى تعاملا حضاريا، والتزم باتفاقيات مصر السابقة مع جيرانها، وفوق ذلك كله التزامه بمعاهدة كامب ديفيد. بل إن حكومته قد زايدت على الحكومات التي سبقتها في القيام بإغلاق الأنفاق التي كانت إسرائيل تشتكي من كونها مصدر وصول الأسلحة لغزة. وقد قامت بذلك تحت ذريعة حماية سيناء من الأسلحة والمقاتلين المتسللين من غزة بينما الجميع كان يدرك أن الأمر هو عكس ذلك تماماً. بل إن حكومة الرئيس مرسي وسعياً منها لتأكيد حسن النية للجانب الآخر قد أمرت القوات المسلحة المصرية، بشن حملة مواجهات كبيرة وعنيفة في سيناء ضد الجماعات المصرية المتطرفة، التي كانت ممارساتها تشكل خطرا على بنود اتفاقية كامب ديفيد الموقعة مع إسرائيل. وهاهو ذا بنيامين نتنياهو يأتي بصفاقته المعهودة ساعيا لإحراج الحكومة المصرية الحريصة على السلام، وباعثا بجملة من الرسائل منها أنه وحكومته هم أصحاب القرار في التعاطي مع المسألة الفلسطينية. وليبعث رسالة للشعوب العربية أيضا مفادها (إن المعارضة وهي خارج السلطة تزايد غالبا على الحكومات في وطنيتها وحرصها على القضايا المصيرية، ولكن ما أن تتبدل الأدوار وتصل لمقاعد السلطة إلا وتجد نفسها مكبلة بالتزامات واتفاقيات دولية لا مناص من الوفاء بها والالتزام بتنفيذها). إلا أن مما لا يدركه نتنياهو -الذي يسعى لترتيب بيته من الداخل من أجل القيام بانتخابات مبكرة يتحالف فيها مع اليمين المتطرف؛ ليكون حينئذ ثاني أقوى زعيم يميني في التاريخ بعد أرييل شارون- أن مصر قادرة على إفساد هذا السيناريو الذي يسعى لتحقيقه من خلال إضفاء دعم لامحدود لحماس وفتح المعابر والأنفاق دون قيد أو شرط. وكذلك إمكانية وصول أسلحة لغزة تغيّر شكل المعارك المعتاد، الذي طالما انفردت به إسرائيل بالسيطرة الكاملة نظراً لعدم توفر سلاح ردع في يد المقاتل الفلسطيني. وهاهي ذي قوات نتنياهو تقطع أهم الطرق المؤدية لغزة، وتقوم بقصف المقرات التابعة للحكومة في غزة، وفي المقابل فإن كتائب الشهيد عز الدين القسام -الجناح العسكري لحماس- لاتتورع في الرد بإطلاق صواريخ (فجر) على المدن الإسرائيلية ما ينذر بمزيد من التصعيد. أعتقد أن الوقت قد حان ليصيخ نتنياهو لصوت العقل وأن يتجاوب مع الجهود التي يبذلها الاتحاد الأوروبي وجمهورية مصر العربية للوصول إلى التهدئة، فالوضع في الشرق الأوسط لم يعد يحتمل مزيدا من التصعيد كما أن الأوضاع السياسية في حرب 2008 – 2009 هي ليست نفس الأجواء بعد الربيع العربي.