نبهتنا الدكتورة لمياء باعشن في تصريح لصحيفة (الحياة) السبت الماضي إلى أن نادي جدة الأدبي قد فتح الباب لإقامة صالون أدبي نسائي داخل مبنى النادي تجتمع فيه سيدات لم يكن لهن أي حضور فاعل في مسيرة النادي، ولا يتلمسن المكتسبات التي أحرزتها المرأة على مدى سنوات ماضية. واعتبرت باعشن أن هذا ارتداد إلى الوراء لم يكن لأعضاء النادي المحترمين أن يسمحوا به، وإني لأقول مع د. لمياء بملء الفم والعقل واليد إن حلقات الذكر النسائية تلك ليست سوى برهاناً على أننا لم نعرف بعد وظيفة الأدب الحقيقية وأن جنسنة الأدب والفكر وتقسيمه إلى إناث وذكور ليس سوى تبخيس لقيمة الأدب وتحويله بسطحية مقيتة إلى لجاج يفتي فيه من لا يفقه أو تفقه في دلالات النصوص وإشراقاتها الجمالية واستبطاناتها الاجتماعية. نادي جدة الأدبي هذا كان أول رئيس له هو الشاعر الرائد محمد حسن عواد، وفضلاً عن طول باعه الشعري ونتاجه الأدبي كان أحد الذين تبنوا الأدب الذي تكتبه المرأة، ونافح عن دورها ومكانتها في العصر الرمادي الذي نامت فيه مئات الأعمال الأدبية في أدراج كتابها خوفاً من البطش والعسف أو التهم التي كانت تكال لمن حاول التمرد ولو قليلاً على الصنمية التي خيمت على أدبنا وفنوننا عقوداً. تشييد الحواجز هذه في قاعات المحاضرات في الأندية الأدبية للفصل بين الحضور الرجالي والنسائي أصبحت مخجلة، وقد عجزت شخصياً عن تبريرها مراراً، كان آخرها من الزميل الكاتب محمد العصيمي، الذي ألقى محاضرة في نادي الشرقية استهلها بنقد هذا المظهر الاستبدادي الذي كان ينبغي أن يكون تاريخاً منسياً، ومن الفنانة التشكيلية زهرة بو علي التي حضرت أمسية تشكيلية شارك فيها الفنانان عبدالعظيم الضامن وضياء يوسف، لكن الحواجز الخشبية التي بددت وحدة الحوار النفسي والموضوعي بين الفنانين جعلت الحضور يعيش حواراً أصم ولا يحقق أهداف الندوة التي هاجرا من منزليهما لإحيائها. هذا التراسل عبر الأثير في قاعة واحدة لم يعد يفهمه أحد. ألا تعرف هؤلاء النساء، نساء الصالونات الأدبية في جميع مدننا أن القصة والشعر والرواية والعمل التشكيلي والمسرحية لا تصنع بمقاسات الجنس أو اللون، وإنها تكتب أو تصنع لقارئ عام أو قارئة عامة، وأن الكاتبة أو الكاتب يحتاج إلى مواجهة قارئه والدخول معه في جدل خاص وعام، يبدأ بالنص وينتهي بوشائجه الاجتماعية وشفراته، فهم المستهلكون لهذه السلعة التي أمضى شهوراً وربما سنوات في خلقها لتكون قابلة للحياة. أخاف أن تكون الحواجز الفاصلة بين العائلات في المطاعم قد انتقلت بمشيئة قادر إلى قاعات المحاضرات، وصالات التجمعات الأدبية لتضع الناس في فسطاطين، لكن تلك الحواجز كلها تختفي حين تجمعنا المنصات الأدبية أو البحثية في العواصم العربية أو الأجنبية. هناك يتنفس الأدب، ويصبح الناس سواسية أمام المجازات التي تنهمر من القصائد، وتختفي الحيطان من الأرواح!