واضح جداً أن الأدب يستفيد من التقنيات الإعلامية الحديثة، كالانترنت والجوال، وما شابههما من وسائل مساعدة أسهمت في إيصال الرسائل، والقصائد، والعبارات الأدبية المتبادلة بين الأصدقاء من الأدباء، إلا أن هذه الرسائل والقصائد «الموبايلية» تحولت فيما بعد إلى مؤلفات أدبية تؤكد تطور الأدب وحضوره حضارياً في كل العصور، ومن هنا أرى أن وسائل الاتصالات الحديثة سيكون لها في المستقبل اليد الطولى في عملية نشر الأدب وحراكه. ف«الانترنت» مثلاً ساعد في حرية كتابة النص واتصاله بالمتلقي سريعاً، وفتح الحوار معه مباشرة، وهذا في حد ذاته يعتبر اتصالاً أدبياً مفيداً، وانصهاراً ثقافياً بين الجمهور المؤيد والرافض للمادة الأدبية، سواء كانت خاطرة، أو مقالة، أو قصيدة، أو قصة. قديماً كان الشعر وسيلة إعلامية مثيرة، وتطور وتطورت أدواته وأنواعه، في العصر الحديث، وكذلك الرسائل كانت واحدة من ألوان الأدب الذي ظهر قديماً وازدهر في العصر الحديث، حتى رأينا له مؤلفات حفظت لنا مراسلات شهيرة لأدباء عرب وأدباء من جميع العالم، تركوا لنا إرثاً جميلاً في فن المراسلات، وأشكالها المتعددة سواء كانت رومانسية، أو سياسية، أو فلسفية. «خطوط الدائرة» كتاب جميل، صدر قبل أشهر للأديبة الدكتورة الكاتبة «لمياء باعشن» المشهورة بكتبها التراثية التي تناولت فيها التراث الشعبي، خصوصاً لمنطقة الحجاز، ومن أشهر كتبها في هذا المجال كتابها المعنون ب«التبات والنبات»، إضافة إلى كتاباتها النقدية والبحثية المنوعة، في كثير من مجالات الأدب، إلا أنها في كتابها هذا أعادتنا إلى كتابة فن الرسائل بصورة مغايرة، استخدمت فيها وسائل التقنية الحديثة، واعتمدت فيه على نصوص الرسائل «الموبايلية»، إذ كانت ترسل لأصدقائها الأدباء من الجنسين، نصوصاً إما من تأليفها، أومقتبسة، أو مرسلة إليها، ثم تبعث بها لهؤلاء الأصدقاء ليردوا عليها بأسلوبهم، ورؤيتهم الخاصة، الممزوجة بثقافتهم، وفنياتهم اللغوية، وقدراتهم الإبداعية، وبرغم أن الدكتور «عبدالله المحسني» سبق الدكتورة لمياء العام الماضي بكتابه «خطاب ال sms الإبداعي»، دراسة في تشكلات البنية، إلا أن كتاب «خطوط الدائرة» يختلف عنه شكلاً وموضوعاً ومعلوماتياً، إذ حوى، إضافة إلى الشعر والقصيدة الجمالية، القصة القصيرة، والحوار، كذلك لم تتجاهل بعض النصوص الشعبية التي أوردتها في المقدمة، واللافت للنظر في هذا الكتاب، الذي يعود جهد إعداده وطباعته إلى الدكتوره لمياء، إلا أنها وللأمانة الكتابية فقد كتبت على غلافه «بقلم نخبة من أصحابه» ونسبت إليها الإعداد فقط. يزخر الكتاب بمعلومات عالمية قيمة، عمن كتب روايات بالجوال، والصحف التي تبنت مسابقات شعرية بالجوال، ومشاهير كتبوا عن طريق الجوال أمثال «إرنست همنجواي، ومارجريت أتوود»، وبما أن الدكتورة لمياء متخصصة في دراسة اللغة الإنكليزية وتدريسها في الجامعة، فبلا شك أنها استفادت منها كثيراً في كتابها هذا، إذ أطلعتنا على الكثير من التأليف الرقمي الجديد، عالمياً، وتجارياً، وأدبياً، تقول: الدكتورة لمياء عن تجربتها هذه: «خلال التجربة انساب التواصل الحواري بين الكتاب المشاركين افتراضياً بحماس هادئ، وتوالت الرسائل بتناسق وحميمية بين أفراد لا يعرف بعضهم بعضاً، بل يعملون سوياً دون أن يطلع أحد منهم على استجابات الآخرين، ودون أن يدري بأن ما سيكتبه سيدخل في دائرة التراسل، كنت أنا الرابط بينهم، أرسل وأتلقى، ثم أرسل وأنا أرقب منبهرة، عملية إنتاج متداخلة عميقة لنص يتشظى ويتفرع في كل اتجاه، ذلك أن كلاً منهم ينفرد ويتفرد في فهمه وتذوقه للنص المرسل بحسب نشاطه الفكري البنائي الخاص، فكانت النتيجة هذه السلسلة من القطع الأدبية «الجوالية» المبتكرة». [email protected]