أجمع المراقبون في السعودية ومنطقة الخليج، على أن مضامين اقتراح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في قمة الرياض 32، القاضي بتحول دول الخليج من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، نقلةٌ في الفهم الاستراتيجي، لا سيما في ظل ما يُحيط بالمنطقة من تهديدات على كافة الأصعدة، وضرورة تقتضي في ذات الوقت دولَ مجلس التعاون الخليجي حشدَ القوى، وتوحيد الصف، ووحدة الرأي، تُراعي بالدرجة الأولى إيجاد أرضية تفرض على دول العالم التعامل معها بتقديرٍ يرتكز على قوتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. أوضح الباحث في العلاقات الدولية وعضو هيئة التدريس بالمعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية بالعاصمة الرياض، عبدالله الشمري، أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وضع دول مجلس التعاون الخليجي أمام موقفٍ ومنعطف تاريخي، قلَب كل الموازين، وكانت المملكة العربية السعودية سباقةً للأخذ بأيدي دول المجلس للدخول في تحالفٍ ضخم من جميع النواحي.وقال الشمري ل»الشرق» في تصريحاتٍ خاصة «إن دول الخليج العربي لا يوجد كيان مشابه لها على مستوى العالم، من حيث الارتباط، فهناك تشابه في الأنظمة السياسية، والاجتماعية والاقتصادية، وهناك تداخل مجتمعي قوي وكبير جداً بين دول المجلس، بل وأكثر من ذلك، إن تحدثنا عن التهديدات التي تواجهها، نجد أن التهديدات واحدة تواجهها جميع دول الخليج ولا تواجهها دولةً عن سواها».فيما حذّر الباحث في العلاقات الدولية من مُعارضي انتقال مجلس التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وكذلك المُشككين في مصالحها، ومن سيدعي عدم تلاقي المصالح المشتركة لدول المجلس عند نقطةٍ واحدة، وهنا يجب الاستعانة بالنُّخب السياسية والاقتصادية والخُبراء والمثقفين من أبناء المنطقة، للتصدي لأي صوتٍ يخرج رافضاً أو مُشككاً في نتائج الاتحاد وعوائده على دول المجلس ككل وليس لدولةٍ عن سواها. رأى رئيس «مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية» اللواء الدكتور أنور عشقي، أن دول المجلس استنفدت جميع ما يندرج في إطار التعاون، ووجدت نفسها أمام ضرورة الانتقال من التعاون للاتحاد، الذي سيعطي دولَ المنطقة قوةً فريدةً عن غيرها، وتماسكا أكبرَ في مواجهة التحديات والتهديدات العسكرية التي تُحيط بها.وقال عشقي موضحا «إن دولاً من دول مجلس التعاون الخليجي، لو لم يكُن هذا الكيان موجودا مُنذُ أكثر من ثلاثين عاماً مضت، لذهب دول منها في بطون دولٍ أخرى تُشكل تهديداً وخطراً على منطقة الخليج برُمتها، لكن، دخول الدول الست في منظومة واحدة، أوجد خشيةً وخوفاً في وجوه الطامعين بثروات المنطقة». وأضاف الأمن الخليجي المشترك، الذي أثبت جدواه في عدة مناسبات، كدخول قوات درع الجزيرة العام الماضي لمملكة البحرين بعد محاولة أطراف خارجية إيجاد زعزعة واضطراب في البحرين بهدف الوصول لمقدرات شعبها، ، وجميعنا يتذكر عندما دخل نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين الأراضيَ الكويتية، مُحاولاً انتزاع سيادتها، وكانت دول مجلس التعاون له بالمرصاد، واستطاعت استعادة الدولة لشعبها من يد الظلم والاغتصاب الجائر، ومن هذا المنطلق، نستشعر أهمية تكتل دول الخليج في مواجهة الظروف المحيطة بالمنطقة». توقع الإعلامي السعودي جمال خاشقجي، أنه لو اجتمعت قوة دول الخليج المالية والنفطية والاجتماعية والسياسية لأصبحت من أقوى دول العالم، ولفرضت على دول العالم الآخر احترامها بشكل قوي، ومن هذا المنطلق وجد نفسه أمام ضرورة أن تستفيد دول الخليج من هذا التآلف والتآخي. وأعطى خاشقجي مثالاً حول إمكانية استفادة مواطني دول مجلس التعاون من وجوده في أي دولة خليجية غير دولته، وقال: «يستطيع السعودي الذهاب لأي دولة خليجية إن كان يرغب في الاستثمار على سبيل المثال، ويتمكن من ذلك، ويستطيع أيضاً بالمقابل مواطن أي دولة خليجية أن يأتي للسعودية ويخطو ذات الخطوة، فالقوانين لا تُمانع على دول مجلس التعاون أن يستفيدوا من وجودهم . يرى أستاذ قسم الإعلام في جامعة الملك سعود، الكاتب السياسي الدكتور علي بن دبكل العنزي، أن فكرة خادم الحرمين الشريفين، خطوةٌ تواكب تطلعات ورؤى شعوب دول مجلس التعاون الخليجي، ولبنةٌ من لبنات البناء الخليجي الموحد القادر على مواجهة كافة الأحداث والتطورات التي تحيط بمنطقة الخليج على وجه الخصوص، والمنطقة العربية بشكل عام.وأضاف دبكل أن تبني القمة تسريعَ مسيرة التطوير والإصلاح بما يحقق مزيدا من المشاركة لجميع المواطنين والمواطنات داخل دول مجلس التعاون؛ يُظهِر أن قادة المجلس ليسوا معزولين عما يدور من أحداث لها تأثير على شعوبهم، وأنهم قادرون على أن يدحضوا أي جهة تحاول أن تهدد أو تتدخل في الشأن الداخلي، ويثبتوا للعالم أن المواطنين الخليجيين مشاركون في القرار ومسؤولون عن الاستقرار والتماسك الاجتماعي. أشار الخبير الاقتصادي السعودي الدكتور طلعت حافظ، إلى استطاعة دول مجلس التعاون الخليجي أن تستفيد من اتحادها في مقابل الاتحادات الدولية الأخرى، والتجّمعات الاقتصادية العالمية، لاسيما أن دول المنطقة تعيش استقراراً سياسياً وأمناً اجتماعياً لا يُقدر بثمن، وهو الأمر الذي يخوّلها بطبيعة الحال الدخول في أي تحالفات عُظمى دولة، كدخول المملكة العربية السعودية في مجموعة العشرين الدولية.وقال حافظ ل»الشرق»: إن اتحاد دول الخليج، سيكون عوناً إذا حدثت أو عصفت بالقطاع المالي أزمةٌ مالية كالتي عصفت بالقطاع المالي في دول عديدة خلال الثلاثة أعوام الماضية، وجدت نفسها في معمعة الأزمة المالية التي أتت على مقدراتها المالية، ومن هذا المنطلق تبرز أهمية الاتحاد فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية وستصبح أقوى مما كانت عليه في السابق.وعدّ الخبير الاقتصادي مبادرة الاتحاد بأنها جاءت في وقتها المناسب، فالظروف المحيطة بالمنطقة تُحتم وجود تحالفات صلبة، لا سيما أن دول الخليج تتمتع بمقدرات هائلة ستعود على دول المجلس بالقوة، التي ستمكنها أن تكون ضمن التحالفات أو التكتلات الاقتصادية العالمية على المدى البعيد، بما يكفل معيشةً آمنةً مُستقرة لأبناء المنطقة، الذين هم عمادها ورأس مالها. اعتبر عضو مجلس الشورى الأديب حمد بن عبدالله القاضي، اقتراح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، لقادة مجلس التعاون في قمتهم ال 32، بالانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد؛ ينم عن حنكة ورؤية الملك السياسية بعيدة النظر، إذ أنه يدرك أننا نعيش الآن في عصر الاتحادات القوية والكيانات الكبيرة. وأعرب القاضي، عن تفاؤله بتحقيق اقتراح خادم الحرمين الشريفين على أرض الواقع قريباً، مشيراً إلى أن ترحيب قادة دول الخليج بهذا الاقتراح وتبنيهم له في بيان القمة الختامي؛ يعني بداية تفعيله واقعياً بإذن الله، حيث يدركون أنه صدر من قائد حكيم يريد حفظ أمن منطقة الخليج، والخير لأبناء الخليج، وتحقيق مزيد من المنجزات في المجالات كافة، التي تعود بالخير والنفع على الجميع في ظل ما تعيشه المنطقة من تحولات سياسية متسارعة. وأكد أن دول مجلس التعاون الخليجي، بما وهبها الله من موقع استراتيجي، وثروات طبيعية، وتجانس بين شعوبها، قادرة بحول الله تعالى أن تصنع لنفسها اتحاداً خليجياً عربياً إسلامياً، يواجه كل التحديات، ويقف أمام الرياح التي تريد أن تكدّر أمنه، وتسلب منجزاته.