ما أزال أتأسى على دفن «السامري» وتهميش جمالياته ونبذه من الساحة بسبب الملاحقات التي كانت تقوم بها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومطاردة عشاقه. وقتها تخلت وزارة الإعلام ورئاسة الشباب بمراكزها الثقافية عن تقديم «السامري» كأحد الملامح الثقافية ذات الجاذبية الخاصة والعراقة. وهذا أفرز كسلاً إبداعياً فنياً لم تنج منه سوى الأغنية نتيجة احتضانها ودعمها من طبقات عالية، ومع ذلك كان حضور حفلة لمحمد عبده يتطلب السفر إلى القاهرة أو جنيف أو حتى المنامة لسماع المطرب السعودي الأشهر بينما تعجز الرياض أو جدة عن جمع الطرفين باستثناء الجهد الاستثنائي الذي أنجزه الأمير خالد الفيصل في أبها حين كان أميراً لها. المحصلة لهذه المضايقات شيوع انطباع ظالم بأن السعوديين أجلاف وغير مبتكرين وأعداء للفرح والنكتة مما حشرهم في صفوف المتفرجين الهامشيين. لم تتغير الأوضاع إنما وجد الشباب منافذ لايحتاجون لدخولها لتصاريح وأذونات فانطلقوا ينثرون تجارب إبداعية بجهود فردية تكشف، تواليا، الثراء الفني لدى السعوديين سواء عبر برامج اليوتيوب المختلفة، وتفوقوا في النكتة الساخرة حتى على أربابها المصريين، وكشفوا تنوعاً ثقافياً طمس وحورب لعقود طويلة. تجربة عبدالعزيز الزهراني وزملائه في «جانجنام» السعودية تستحق الاحتفاء لفرادة فكرتها وجمال أدائها والتوظيف الخلاب لمضمون «السروال والفنيلة» بكل إسقاطاته الاجتماعية في الصراع بين الجنسين في البلد وتبادل التصنيفات القائمة بينهما. وهي تجربة تصطف مع مثيلاتها من التجارب اليوتيوبية الفردية التي تشترك في كونها خارج دائرة الاهتمام الإعلامي والثقافي الرسمي وكأن رؤية قمع «السامري» هي السائدة في التعاطي مع أي تجربة حرة وجديدة. إن بقي الوضع على حاله فثمرته خسارة السعودية لمواهبها الفنية بإصرار وترصد.