قبل التقنية وثورة الإنترنت كنا نرى في إخوتنا المصريين المتنفس الوحيد تقريبا للنكتة الحية القادرة على إضحاكنا في أي وقت، أما بعد الفيسبوك واليوتيوب والبالتوك ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى والبلاك بيري، كشف السعوديون عن مواهبهم الفذة في تداول النكتة وتمريرها من خلال هذه التقنيات التي فتحت للسعوديين أفقا واسعا لنقل ثقافتهم وطبائعهم وسلوكياتهم وروحهم المرحة وتمريرها للآخر، وإن كان مر ويمر أيضا سلبيات و«ثقالة دم» في أحيان أخرى وهذه طبيعة الحياة والبشر؛ فلسنا مجتمعا ملائكيا بالكامل كما نحن لسنا شياطين بالكامل. آخر الحملات التي قرأت عنها ضمن المواجهات الإلكترونية «الساخرة» بين البنات والشبان السعوديين، حملة جديدة أطلقوا عليها «حملة أبو سروال وفنيلة» في إشارة إلى ما تعير به الفتيات الشبان السعوديين ويعتبرنه نقيصة وتشويها للرومانسية التي ينشدنها في فارس الأحلام الذي يرتدي «شورت وتي شيرت» أو بيجاما أنيقة، وتشويها لنموذج مهند ويحيى في المسلسلات التركية أو حتى براد بيت وجورج كلوني وتوم كروز في هوليوود أو نموذج الشاب اللبناني الأنيق الوسيم «اللي يبطي السعودي عظم ما جاب ربعه بسرواله وفنيلته هو وخشته»، ووجه مطلقو الحملة على أجهزة البلاك بيري من خلالها الدعوة إلى شباب الرياض للخروج ب «السروال والفنيلة» إلى شارع التحلية يومي الأربعاء والخميس، مع نهاية العام الدراسي وبدء الإجازة الصيفية. والطريف في الأمر أن الحملة لم تأت من فراغ؛ فالشباب يدافعون من خلالها عن أنفسهم معتزين بتراثهم، أو ربما ردا على «صاحبات الركب السود»، وهي الحملة التي أطلقها بعض الشبان على البلاك بيري وقبلها على البالتوك؛ لمحاولة النيل من جمال الفتاة السعودية مقارنة بنظيرتها اللبنانية أو المغربية، أو نكاية بها لوصفها الشاب السعودي ب «أبو سروال وفنيلة». هذا الصراع الذي يبدو أنه في إطار النكتة يعكس حراكا اجتماعيا مهما لا يمكن التقليل من شأنه والاستخفاف به؛ لأنه في المحصلة النهائية تعبير عن الذات يمارس في إطار يبدو هزليا في الظاهر، لكنه عميق يمثل واقعا تعيشه الأسر وتفاعلا مع ما تعرضه الفضائيات من مسلسلات وبرامج لا ينكر أحد أنها أحدثت تأثيرا في المجتمع السعودي؛ سلبيا في جوانب عديدة وإيجابيا في أخرى. هذا الحراك الهام أفرز نماذج من الشباب السعودي تمتلك مواهب مذهلة في الكوميديا والنقد الاجتماعي ينتشر بوضوح على موقع اليوتيوب ويحظى بجماهيرية طاغية وتفاعل كبير من مشاهدي هذه المقاطع التي تشرح المجتمع من الداخل وتخوض في أدق تفاصيله دون خوف أو خجل، نقد حقيقي وكوميديا حقيقية لمواهب مذهلة ما كانت لترى النور ولا يسمع عنها خارج حدود الوطن لولا ثورة الإعلام الجديد وتقنيات الإنترنت وخدمات الهواتف المحمولة.