القوانين قبل أن تسن لتنظيم أمر من الأمور الحياتية اليومية في المجتمع باعتبارها أداة لفرض سياسات الدولة العامة، تمر بمراحل عدة قبل وصولها إلى المخاطبين بها بشكلها النهائي، من تلك المراحل وأهمها ما يعرف بمرحلة الصياغة القانونية، وهي مرحلة تتشكل من منهج وأدوات ومعايير لابد أن تحققها لضمان سلامة المنتج، أي صناعة وإخراج القاعدة القانونية وتوصيل فكرة موضوعها للمخاطبين بها بشكل سلس لا لبس فيه، هذه المرحلة المهمة من صناعة القانون الأصل أن تسند مهمتها لمتخصصين وليس مختصين في الشأن القانوني، ونقصد بالمتخصص هنا كل من تشكل لديه نوع من المعارف القانونية بناء على الخبرة ولكنه يفتقد التأسيس التعليمي في تخصص القانون، بينما يقصد بالمختص في القانون هنا كل من توفر لديه المهارات القانونية المبنية على تعليم قانوني صرف. المراقب لبعض أنظمتنا وقوانيننا يجد أن فيها تشوهات في صياغتها القانونية نتيجة للتساهل أو الإصرار على محاباة وإحلال بعض المتخصصين محل المختصين عند وضع أو المساهمة في وضع التصور الأولي لمسودة مشروع قانون معين، بالطبع نحن لا نحجم دور المتخصصين مقارنة بالمختصين في القانون، لكن نعتقد ربما يكون لدورهم أثره وفائدته متى أعمل في الوقت والمرحلة المناسبتين من مراحل صناعة القانون، كما هو مثلا في مرحلة المراجعة النهائية وقبل صدور القانون. إن أهمية الاستعانة بالمختصين عند الحديث عن الصياغة القانونية يكمن في أنهم أقدر من غيرهم من حيث المعارف والمهارات القانونية في إبداء المرئيات والمقترحات التي ترتكز على علم ودراية في أصول الفقه القانوني، إضافة إلى أن المختص قادر إن لزم الأمر على إعمال استقلاليته وتأكيد حضوره عبر تحليله القانوني والبعد عن المحاباة مما سينعكس على موضوعية النقد وسلامة المخرج سواء في إعداد مسودة القانون الأولية أو في تقييم مشروع القانون والتعليق عليه بعيدا عن أي توجهات أو مصالح وظيفية أو فائدة شخصية، وبالتالي ظهور القانون بالشكل الذي يحقق الهدف منه.