دخل لبنان النفق وهذا أمرٌ ليس جديداً على وطنٍ احترف دخول الأنفاق، سيناريوهات أحداثه مسلسلاتٌ تتكرر اعتاد اللبنانيون مشاهدة مجريات أحداثها، اغتيالٌ سياسيّ فاستنكار واعتصام ثم أعمال شغب واشتباكات مسلّحة، تعقبها فترة من الهدوء على وقع التفاوض السياسي الذي يفشل دوماً، ثم عودٌ على بدء. وهكذا فيما دماء المواطنين الفقراء تُراق وأرزاقهم تُحرق، يبدو أن هذا هو قدر بلاد الأرز المحتوم الذي لا شفاء لها منه، لا بل يبدو أن كلمات زياد رحباني بأن «قوم فوت نام وصير إحلم إنو بلدنا صارت بلد» هي خير معبّرٍ عمّا يجري، نجل المغنية فيروز يشرِّح الوطن اللبناني في متن مقطوعته هذه وفق قاعدة: «هاي بلد ؟؟ لأ.. مش بلد.. هاي قرطة عالم مجموعين». اشتباكات متواصلة منذ اغتيال رئيس شعبة المعلومات العميد وسام الحسن، يشهد لبنان على مدار الساعة أعمال شغبٍ مسلّحة يتخللها اشتباكات وأعمال قنص في عدد من المناطق اللبنانية، وأسفرت هذه الأعمال عن سقوط أحد عشر قتيلاً وإصابة العشرات بجروح. انفجرت جبهاتٌ متعددة في الوقت نفسه، فجر أمس اندلعت اشتباكات مسلّحة دامت أكثر من ساعة استُخدِمَت فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة في محيط الجامعة العربية، ونجم عنها سقوط عدد من الإصابات. المسألة لم تنته عند هذا الحد، فقد سبقها قطع أصابع شاب ينتمي إلى الطائفة الشيعية في منطقة طريق الجديدة على يد مجهولين لأنه رفض إبراز هويته. الحال نفسه انسحب على طول الطريق الساحلي المؤدي إلى الجنوب اللبناني، إذ نزل إلى الشوارع ملثّمون في مناطق الناعمة والدامور وبرجا، أقاموا حواجز متنقلة لطلب هويات المواطنين، وصاروا يعتدون على كل من يصدف أنه ينتمي إلى الطائفة الشيعية. مخورٌ آخر اشتعل أيضاً، حيث نزل مسلّحون مقنّعون ينتمون إلى تيار المستقبل إلى شوارع بيروت احتجاجاً على اغتيال العميد الحسن. لم يكتفوا بذلك، وإنما قطعوا الطريق المؤدي إلى الضاحية الجنوبية لبيروت ثم قاموا بإطلاق الرصاص عشوائياً على سيارات المارة. هستيريا الجنون، أقلّ ما يمكن أن يقال في وصف الأحداث الجارية، ففيها الاشتباكات الميدانية تجري على أكثر من متراس، تناوب ساسة قوى ال 14 من آذار على شاشات التلفزة لمطالبة المسلّحين بالانسحاب، لكن عبثاً ذهبت نداءاتهم، لم ينسحب المسلّحون، وإن انخفضت وتيرة الاشتباكات المتقطعة لتنعدم أحياناً. في هذه الأثناء، أُعلن بيانٌ صادرٌ عن قيادة الجيش تُناشد فيه السياسيين التدخّل للحيلولة دون سقوط لبنان في المجهول، لكن ذلك لم يساعد. حاول الجيش فرض السيطرة بالقوة، اشتبك مع مسلّحين في منطقة طريق الجديدة، فقُتِلَ منهم اثنان، تبيّن أن أحدهما فلسطيني. التوصل لخيوط مهمة وعلى وقع عمليات الكر والفرّ، يُجري ضباط في شعبة المعلومات التحقيق في جريمة اغتيال العميد الحسن، لكن أحد المطّلعين كشف ل «الشرق» أن التحقيق يتناول كافة الأصعدة، بدءاً من كشف الاتصالات التي جرت من موقع الجريمة وصولاً إلى نوع المتفجرات وطبيعة العبوة وصولاً إلى مراجعة سجلات الكاميرات الموجودة في المكان التي ربما تكون سجّلت تحركات أحد المتورّطين في التفجيرات. في موازاة ذلك، كشف وزير الداخلية اللبناني مروان شربل أن التحقيقات الجارية في قضية اغتيال اللواء وسام الحسن «تتقدم بسرعة»، معلناً أنه «تم التوصل إلى خيوط مهمة جدًا في القضية وهي تُتَابَع مع النيابة العامة التمييزية». وأوضح أن «هذه الخيوط ستبقى في الوقت الراهن طي الكتمان من أجل المحافظة على سرية التحقيقات». ويتردد أن تسوية تلوح في الأفق، ولاسيما بعد الدعم الدولي الذي تحظى به الحكومة الحالية، فيما تراجعت ميدانياً حدة الاشتباكات، لكنّها لم تهدأ، الجمر كامنٌ تحت الرماد، وكذلك في قلوب المتظاهرين والساسة الذين يبدو أنهم أعلنوها حرباً حتى إسقاط الحكومة اللبنانية التي يرأسها نجيب ميقاتي.