يمكن إرجاع ظهور فكرة المشروعات الصغيرة في الوقت الحديث إلى عام 2000م حين تولي جورج بوش الابن مقاليد الرئاسة الأمريكية. أراد الرئيس الأمريكي الأسبق من مثل هذه الفكرة، تنشيط دور الطبقة المتوسطة الأمريكية الاقتصادي باعتبارها الشريحة الأعرض والأهم من شرائح دافعي الضرائب الأمريكية. ويبدو أن فكرة الرئيس بوش الاقتصادية للمشروعات الاقتصادية، أتت نتيجة للهزة المالية العنيفة التي تعرضت لها الطبقة المتوسطة الأمريكية جراء السقوط الحاد لأسعار معظم الأسهم الأمريكية والتكنولوجية منها على وجه الخصوص في نهاية العام 1998م تقريباً. وبالرغم من نجاحها النسبي في أمريكا، نجد أن فكرة المشروعات الصغيرة في المملكة العربية السعودية مازالت في مهدها وبحاجة ماسة لتوضيحها. يرى بعض المراقبين، أنه لا يوجد اتفاق محدد وشامل لتعريف ماهية المشروعات الصغيرة وإن كان هناك عدد لابأس به من التعريفات التي توضح لنا بعض الأساسيات. إن هذه الأساسيات قد تساعدنا في معرفة معالم المشروعات الصغيرة ومنها على سبيل المثال: صغر حجم رأس المال، وصغر حجم المبيعات، و قلة عدد العاملين، وبساطة التكنولوجيا المستخدمة …إلخ. ويظل العامل المشترك في هذه الأساسيات هو الصغر النسبي لعناصر المشروع الاقتصادي محل التنفيذ التي قد نأخذ منها للتوضيح في هذا المقال: عدد العاملين ورأسمال المشروع. فالمشروع الصغير في نهاية الأمر، لايتطلب أعداداً كبيرة من العاملين حيث يمكن أن يقوم به صاحب المشروع بنفسه وقد يستعين بعدد صغير من العمالة لتساعده. كما أنه لا يتطلب رأس مال كبيراً فيسهل بذلك توفيره من خلال عدة آليات لعل من أهمها: النقدية المدخرة من قبل صاحب المشروع أو من خلال الاقتراض من إحدى المؤسسات التمويلية أو أخذه كسلفة من أحد الأقارب أو من أحد برامج شركات القطاع الخاص التي تؤمن بدورها المسؤول في المجتمع. وفي الآونة الأخيرة، بدأت المشروعات الصغيرة في المملكة العربية السعودية تأخذ زخماً اقتصادياً واجتماعياً متسارعاً من قبل بعض المؤسسات والوزارات والهيئات ومن جهة القطاع الخاص. حيث أدركت تلك الجهات أن المشروعات الاقتصادية الصغيرة في حال نجاحها ونموها وازدهارها وكفكرة اقتصادية، ستستطيع أن تسهم في إنعاش الاقتصاد الوطني على المدى المتوسط والبعيد. حيث ستؤدي إلى خلق فرص وظيفية وستسهم بذلك في تقليص نسبة البطالة وستخفف من الضغط على البنية التحتية وخاصة شبكة المواصلات لتلك المشروعات التي لا تتطلب الخروج المستمر من المنزل لأنه مكان العمل. وتتنوع المشروعات الصغيرة بتنوع القطاعات الاقتصادية التي تمثلها فمنها الخدمي والصناعي والتجاري والزراعي…إلخ. إن تنوع المشروعات الاقتصادية الصغيرة هذا، سببه تنوع بشري مفترض وإلا كيف ظهرت المشروعات الصغيرة المختلفة. وطالما أن حديثنا عن التنوع البشري، وجب توضيح بعض الأمور للشابات والشباب المقبل نحو إنشاء مشروعاتهم الصغيرة بناءً على قاعدة مفادها أن البشر تتفاوت من حيث الإمكانيات والقدرات. حيث يأتي في مقدمة تلك الأمور عبارة ليس كل شخص يصلح بأن يكون لديه مشروع صغير. وهي عبارة يجب أن تكون غير محبطة لأحد -لا سمح الله- بقدر أنها حقيقة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار وقت التفكير في إنشاء المشروع الصغير. ولا شك من أن هذه المقولة قد تتعارض مع قيمتي العولمة: «النسخ واللصق» التي تعكس التقليد غير المدروس الذي أصبح سمة عامة وأفضل ما يجسده المثل المحلي القائل «مع الخيل يا شقرة». فالمشروعات الصغيرة كي تنجح، يجب إبعادها من هذا المثل. وإذا أدرك الشخص أن لديه الإمكانيات والقدرات التي يستطيع معهما أن ينشئ مشروعاً صغيراً، فلابد أن يدعم تلك العناصر بالرغبة في إنشاء مشروع معين. حيث إنه إذا لم تكن هناك رغبة حقيقية في فكرة المشروع والإيمان به، لن يكون هناك مشروع وإذا كان هناك مشروع لن يكون مشروعاً ناجحاً. والجدير بالذكر هنا، أن من أهم أسباب عدم نجاح معظم المشروعات الصغيرة هي عدم وجود الرغبة الحقيقية في المشروع في المقام الأول. ثم تأتي الدراسات العميقة للمشروع كعامل مهم في إنجاح المشروع، ففي معظم الأوقات، يكون المناخ العام المسيطر على صاحب المشروع مع ولادة فكرته الحماس والاندفاع وفكرة البدء دون التريث من أجل إشباع المشروع بحثاً. ولنتذكر جميعاً أن المشروعات الناجحة قد تكون أخذت شهوراً وربما أعواما لدراستها دراسة مستفيضة تقلل المخاطر على رأسمالها المستثمر وتعظم فرص نجاحها بينما نفذت في خلال بضع أيام أو أسابيع. فليس بعيداً عن عوامل نجاح المشروعات الصغيرة الذاتية، يجب توفر بيئة للمشروعات الصغيرة تكون جاذبة وليست طاردة من حيث توفر القوانين والإجراءات المريحة والواضحة وهذا يتطلب وجود خطة استراتيجية من قبل الدولة لإنجاح فكرة المشروعات الصغيرة ولكي تصبح ركيزة من ركائز الاقتصاد الوطني.