قبل عشر سنوات تقريباً، غيب الموت الإنسان الشاعر عبدالله باهيثم، وخلال أسبوعين قبل وفاته كنت أرافقه بشكل شبه يومي في بيته بجدة، وكنت أحرص على زيارته والاستماع إلى ذاكرته التي كانت خصبة بكثير من المواقف، سواء على الصعيد الإنسانيّ، أو على صعيد الكتابة والصحافة. كان الراحل شاعراً مجيداً وكنت أتذكر كلماته وهو على فراش المرض عندما قال: إنني ندمت على ما كتبت من شعر وكنت أتمنى أنني وصلت لما هو أفضل من ذلك الذي كتبت، تلك الأيام التي التقيته فيها اكتشفت أن قيمة الإنسان هي في إنسانيته وأتذكر أن الزميل وكاتب “الشرق” أحمد عدنان كان يبذل جهداً كبيراً مع الراحل، فكان يرافقه صباح مساء، وكان له الحظ أن التقاه في اليوم الذي سبق وفاته، وأتذكر أنني عندما وصلت لبيت الراحل قبل وفاته بيوم قال لي ابنه أحمد إنه خرج مع عدنان “ليقوم بتمشيته”. أتذكر أيضاً أن آخر طلب طلبه مني هو أن يتصل به شخصان من صحيفة عكاظ التي كنت أعمل فيها، الأول صديق له عاش معه سنوات طوال، والثاني أستاذنا الدكتور هاشم عبده هاشم رئيس التحرير، وما عجزت ذاكرتي عن نسيانه أن الأول عندما بلغته برغبة باهيثم في سماع صوته باعتباره صديقه أومأ لي بإشارة معناها أنه لا يريد مكالمته، بينما عندما بلغّت الدكتور هاشم بالأمر طالبني بسرعة إحضار الرقم وقام بمهاتفته فوراً والاطمئنان عليه، وهو وفاء لا أنساه. في يوم وفاته كنت أعاني مرضاً، وأتذكر أن الصديق العزيز عبده خال اتصل بي وقال لي بالحرف: “صاحبك باهيثم مات”، اختلطت المشاعر، ولكن بقيت أتذكر نبل الرجل الذي عاشرته في آخر أيامه. إضاءة: الأوفياء قلة، وخيرهم الصادقون.