من المفترض أن أكون اليوم في جازان، أحضر حفل تكريم المهندس «أحمد محمد الأسود» مساعد المدير العام لإدارة التربية والتعليم للخدمات المساندة بالمنطقة الذي تقاعد مبكراً، مع الأسف، بعد ثلاثين عاماً طرزها بالعمل الدؤوب المتميز والمثمر في مجاله كمهندس فنان كماً ونوعاً، شكلاً ومضموناً، في أعماله تتجلى الرشاقة الأنيقة والعمق المتين الراسخ أيضاً. أقول كان من المفترض أن أكون هناك اليوم وأشارك زملاءه وأصدقاءه ومحبيه وما أكثرهم في البر والبحر، أشاركهم هذه اللحظة الغامرة بالوفاء والشكر لمن يستحقهما. لكنني على البعد وعلى الرغم من كل الارتباطات العملية لا يمكن أن أفوت مناسبة هامة ولحظة تاريخية كهذه دون الاحتفاء بواحد من أجمل الذين عرفتهم في حياتي إدارياً وإنساناً رائعاً أودع ربه فيه كل صفات النبل والكرم والشهامة والفروسية فحبب فيه خلقه وهذا لعمري أعظم تكريم من الخالق لمخلوقه عندما أضاء قلوب خلقه وعباده بمحبة أحمد الأسود الذي يجمع الكثيرون في منطقة جازان وخارجها على خلقه وتواضعه وطيب معشره ومساعدته للناس من عرف ومن لم يعرف. قبل قليل، خرجتُ من عند (المزين) بعد أن حلقت ونعّمت وتعطرت بأجمل ماء الكولونيا الليمونية الأصيلة ثم عدت لأكمل زينتي في اللباس لأبدو في كامل قيافتي لحظة الكتابة عن أخي وصديقي وحبيبي أحمد الأسود في يوم تكريمه، والذي أشبهه باللاعبين والفنانين المعتزلين الأذكياء عندما يتوقفون عن مواصلة الركض في ميادين حرفهم وهم في قمة عطاءاتهم وأمجادهم وتوهجاتهم العظيمة.. وهكذا كان الحبيب «أبومحمد» اختار اللحظة الأهم بالنسبة له وأعلن اعتزاله على طريقة الكبار، وإن كنت حزنت على ابتعاده بهذا الشكل المبكر لأن فيه خسارة للعمل الإداري التربوي والتعليمي.. وحين أقول العمل الإداري فلأن الإدارة هي (هندسة) في الأصل وأحمد الأسود هو صاحب العقلية الهندسية والإدارية الفذة الذي سبق تكريمه في الأعوام السابقة، وهو يستحق بجدارة، من أمير جازان نظير أدائه الفريد والمتميز عندما حصد جائزة سموه للتفوق في نسختها الأولى في فرع الأداء الوظيفي المميز قبل ثماني سنوات. إنه لوكان لي من الأمر شيء لجعلتُ تكريمه واجباً على كل الإدارات والمدارس في قطاع جازان لأن أبا محمد لا يستاهل حفل تكريم واحد فحسب بل يستحق عشرات الاحتفالات والاحتفاءات بعبقريته وإخلاصه وإنسانيته الرفيعة كل ذلك معاً. كما أن أحمد الأسود من الناجحين القلائل الذين حققوا النجاح كلياً في الحياة، فجاء نجاحه صادقاً كلياً شاملاً متوافياً لنشاط حياته كلها. كل التوفيق لك، أبا محمد، في مرحلتك المقبلة ودعواتي بحياة ممتعة رائقة هادئة هانئة صحيحة نقية كقلبك الأبيض الشفيف.