هناك كثير من السلوكيات الشاذة التي يقوم بها بعض الشباب في أماكن مختلفة وفي مواقف مختلفة، وقد تؤدي إلى نتائج كارثية لهم ولذويهم وللمجتمع بشكل عام. على الرغم من أن بعضاً منهم لديهم مواهب وقدرات يمكن توظيفها والاستفادة منها. قبل أيام كنتُ في شارع الأمير محمد بن عبدالعزيز (التحلية) في الرياض في منتصف الليل تقريباً، وأرعبني أحد الشباب الصغار في السن، وأجزم أن عمره لا يتجاوز 15 عاماً بأي حال من الأحوال. كان ذلك الشاب يمسك بسيارة صديقه من ناحية باب الراكب الأمامي، ويسير على الإسفلت بواسطة حذاء بعجلات، محاولاً تقليد مقطع اليوتيوب الشهير الذي يظهر مجموعة من الشباب السعوديين يتزلجون على الإسفلت باستخدام حذاء عادي. المهم أن ذلك الشباب استمر في ذلك الفعل رغم الوجود الأمني في الشارع، وكان يترك السيارة ويكمل جولاته بنفسه بين السيارات الأخرى، ثم يعود ليمسك بباب السيارة مرة أخرى، وهكذا من بداية الشارع، علاوة على ذلك نال تشجيعاً من ركاب السيارات في الشارع، من خلال الكلمات الرنانة وأصوات أبواق السيارات. مع كل هذه الخطورة، ومع كل هذا الفعل المشين المرعب، لم يتحدث معه أحد أو ينهره، ولم يتدخل الأمن في ذلك أيضاً. حقيقة لم أتمالك نفسي، ولم أجد بداً من التدخل محاولاً أن أؤثر في ذلك الشاب وأنصحه، وكنت أنتظر الفرصة المناسبة. شاءت الله تعالى أن تقف السيارة التي يستخدمها ذلك الشاب بجواري عند أحد الإشارات، وكان الشاب واقفاً ممكساً بالباب ينتظر فتح الإشارة ليكمل مشواره، قمت مباشرة بمخاطبته، فسلمت عليه أولاً، ثم قلت له ماذا تفعل؟ ولماذا تضحي بنفسك؟ ثق تماماً أنه لو صار لك حادث أو مصيبة لن يقف معك أحد. وأن كل من يشجعك هنا ويصفق لك لن ينفعك بشيء، وسوف يذهب ويتركك؟ قال لي «إني أفعل ذلك لأني أحب هذه الهواية، ولا يهمني أحد؟ وأنا أجيدها تماماً»، قلت له هوايتك جميلة وأداؤك جميل، ولكن ليس هنا، اذهب لنادٍ أو مكان آمن ومارس هوايتك. لماذا تعرض نفسك للخطر؟ وما ذنب أهلك وذويك؟ وختمتُ له، هذه نصيحة من أخ كبير لك، ووالله لو لم نكن نحبك ونخاف عليك لما نصحناك. استجاب ذلك الشاب أخيراً وركب السيارة وابتسم، فقلت له استجابتك دليل الخير الذي في داخلك ودعوتُ له. هنا قال لي صديقه الذي كان يقود السيارة (سيارة أجرة) «إنني أحاول إقناعه ولكنني فشلت»، شكرته مع أنني أشك في قوله؛ لأنني رأيت منه تشجيعاً لذلك الشاب الصغير، ومن ثم تابعته حتى نهاية الشارع فوجدته فعلاً قد عدل سلوكه وذهب. هنا لي وقفة مع المسؤولية الاجتماعية التي نتخلى عنها هكذا لأسباب نختلقها، معللين ذلك بحجج واهية، ونورد عبارات فارغة، مثل «كل واحد بكيفه يفعل ما يشاء»، «كل واحد يتحمل مسؤولية نفسه»، أو «مصيره يكبر ويعقل»، أو «أنا وش دخلني». إلى غير ذلك من العبارات، وإلا لما قطع ذلك الشاب كل تلك المسافة في الشارع دون أن يكلمه أحد. ولي وقفة أخرى مع موهبة وقدرة ذلك الشاب، التي لم يجد مكاناً مهيأً لممارستها، فاضطر ليمارسها في الشارع ويعرض نفسه والآخرين للخطر، ونحن نعلم تماماً ندرة الأماكن المهيأة فعلياً للشباب لممارسة الرياضات المختلفة، التي يمكن من خلالها رعاية مواهبهم، وتجعلهم يمارسون هواياتهم. أعتقد أن تخلّينا وتجاهلنا لهذا الدور الاجتماعي المهم له دور رئيسي في تفشي واستمرار بعض السلوكيات الشاذة من الشباب وغيرهم، خاصة أننا نشاهدها بشكل يومي وفي أماكن مختلفة. ولن يكون لنا دور فعال ومؤثر إلا إذا كان هناك تعاون وتفكير جاد في تعديل سلوك هؤلاء الشباب، والحديث معهم مباشرة، واختيار الأسلوب والتوقيت المناسبين لنصحهم وتوجيههم. فهل سنجد من يتبنى هذه الأدوار، ويسهم في خدمة أبناء المجتمع، ويعيد عهداً مضى كان للجار والصديق والقريب دور في توجيه أبناء المجتمع والمحافظة عليهم؟ وأجزم أن البدء في استحداث مراكز شبابية مجهزة بكل وسائل الترفيه، ووجود مدربين متخصصين، سينشئ لدينا جيلاً قادراً على المنافسة في المستويات كافة.