للمملكة أهداف أنبل وغايات أكبر    السعودية تدين الهجوم الذي استهدف القصر الرئاسي في العاصمة التشادية أنجمينا    حرائق لوس أنجليس تدفع مشاهير الفن والموسيقى للفرار من منازلهم    تقارب النقاط يشعل الطائرة    القبض على 7 وافدين ظهروا بمشاجرة في عسير    10 فائزين بجائزة صيتة للتميز الاجتماعي    لقاح الإنفلونزا والغذاء الصحي.. نصائح مهمة للوقاية من نزلات البرد    الشاب "موسى النجم" يدخل "القفص الذهبي"    إحباط تهريب (136.9) كجم "حشيش" في ينبع    مدرب فريق ريال مدريد يؤكد صعوبة مواجهة الغد أمام برشلونة    رقم قياسي جديد لموسم الرياض بأكثر من 16 مليون زائر    «ضاع قلبي في جدة».. نوال الكويتية ورابح صقر يشعلان ليل العروس بحضور جماهيري كبير    تشييع الحربي صاحب ال 50 حجة في مقبرة الوجه    المنافذ الجمركية تسجل أكثر من 1900 حالة ضبط خلال أسبوع    تحديث سرعات طريق السعودية - عمان عبر الربع الخالي    فريق جامعة المؤسس يحقق بطولة السلة للجامعات    10 مليارات لتفعيل الحوافز المعيارية للصناعيين    انطلاق ملتقى " إضاءة عسير " الاثنين القادم    6 فرق تشارك في بطولة بولو الصحراء في العلا    تعددية الأعراق والألوان تتوحد معك    ولي العهد يهنئ الرئيس اللبناني ويدعوه لزيارة السعودية    الذوق العام تنظم مسيرة "اسلم وسلّم" لرفع الوعي لسائقي دراجات تطبيقات التوصيل    وصول الطائرة الإغاثية السعودية التاسعة لمساعدة الشعب السوري إلى مطار دمشق الدولي    وكيل "الشؤون الإسلامية" للمشروعات والصيانة: تدشين الأدلة الفنية للمساجد إنجاز نوعي برؤية شاملة ومعايير عالمية    نادي جازان الأدبي يكرم الزميلة خلود النبهان    أكثر من 300 جلسة رئيسية في النسخة الثالثة من قمة المليار متابع    طلبة منطقة "تعليم الرياض" يعودون غداً لمدارسهم لاستكمال الفصل الدراسي الثاني    «الضباب» يحوّل رحلة ليفربول إلى كابوس    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    استمرار هطول الأمطار على بعض مناطق المملكة    «طائرة كوريا».. «الأسودان» توقفا قبل 4 دقائق من التحطم !    خالد عبدالرحمن ل«عكاظ»: جمعنا أكثر من 10 قصائد وننوي طرح ألبومين سامريات    أمريكا وبريطانيا توسعان عقوبات كاسحة على صناعة النفط الروسية    ابعد عن الشر وغني له    "النقد الدولي" يتوقع استقرار النمو العالمي في 2025    البرلمان الألماني يبحث الأربعاء تفشي الحمى القلاعية في البلاد    القائد الذي ألهمنا وأعاد لنا الثقة بأنفسنا    أمين الطائف هدفنا بالأمانة الانتقال بالمشاركة المجتمعية للاحترافية    هاو لم يفقد الأمل في بقاء دوبرافكا مع نيوكاسل    رئيس مصر: بلادنا تعاني من حالة فقر مائي    ما بين الجمال والأذية.. العدار تزهر بألوانها الوردية    "لوريل ريفر"، "سييرا ليون"، و"رومانتيك واريور" مرشحون لشرف الفوز بلقب السباق الأغلى في العالم    العروبة يتعاقد مع العراقي عدنان حمد لقيادة الفريق فنيّاً    «الغذاء والدواء» تحذّر من منتج لحم بقري لتلوثه ببكتيريا اللستيريا    بالشرقية .. جمعية الذوق العام تنظم مسيرة "اسلم وسلّم"    خطيب المسجد النبوي: تجنبوا الأحاديث الموضوعة والبدع المتعلقة بشهر رجب    محافظ الطائف يستأنف جولاته ل«السيل والعطيف» ويطّلع على «التنموي والميقات»    الحمار في السياسة والرياضة؟!    سوريا بعد الحرب: سبع خطوات نحو السلام والاستقرار    أسرار الجهاز الهضمي    أفضل الوجبات الصحية في 2025    مركز إكثار وصون النمر العربي في العُلا يحصل على اعتماد دولي    مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية ال8 لمساعدة الشعب السوري    إطلاق كائنات مهددة بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله    نائب أمير تبوك يطلع على مؤشرات أداء الخدمات الصحية    ولي العهد عنوان المجد    عناية الدولة السعودية واهتمامها بالكِتاب والسُّنَّة    مجموعة (لمسة وفاء) تزور بدر العباسي للإطمئنان عليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حياة مؤجّلة
نشر في الشرق يوم 09 - 10 - 2012

الحياة ركض متواصل، ماراثون كبير، هرولة في كل الاتجاهات لمحاولة الإمساك بكل ما يجمّل الحياة، يكملها، يلوّنها، يوازنها، ما يعيد إليها سمعة اسمها الجميل وما يمنعها من التوقف قبل الأوان أو في الوقت غير المناسب.
هكذا نحدّث أنفسنا كل صباح، ونحن نمنّي القلب بشمس وادعة خجلى، بجو لطيف ومنعش، بيوم عمل أو دراسة مريح، ونهار رائق بعض الشيء، ومساء حالم ندرّبه على أن يتجرع وحده مغبّات كل ما حدث طيلة اليوم، ونقول: ستنتهي المهمات وسنبدأ غدا في الالتفات لأنفسنا بحق، في فعل الأشياء الجميلة التي أجّلناها كثيراً، في القفز على الأسوار، في تأمل وردة، في التقاط صورة لطفل يبتسم، في تغيير مقود السيارة فجأة من جهة العمل إلى المطار، أو إلى البحر أو إلى أقرب بقعة معشبة. في أن نستيقظ على صوت مطر، ونفتح صدورنا للأنسام والربيع، أن نجلس لقراءة ما يردُّ الروح إلى نبعها، أو لكتابة مذكراتنا مثلاً، أن نزور من وعدناهم برؤيتنا قريباً، منذ سنين عديدة! أن نطمئن على صحة أم أو أب أو أخ، دون أن يرن الجوال كل دقيقة، ودون أن يكون السؤال عبر الرسائل القصيرة! في أن نطير، نغني، نرقص، ونضمّ الحياة بين ذراعينا، في أن نتمدد على عشب، أو نتتبع بأصابعنا طريق نملة، أو في إغماض أعيننا، إرخاء أجسادنا المرضوضة، والحلم بعيدا في أرض الخيال، لتتحرر أرواحنا من وطأة الضغوط وثقل هذا التنين الذي يدعى «الوقت». لكن شيئاً من هذا لا يحدث، لأن أولويات الحياة -أحياناً- هي أول ما يردعنا عن الحياة! نفكّر: ما زال الوقت مبكراً وما زال في العمر متسع، هكذا يقول طالب المرحلة الثانوية وهو يرمي شماغه على كتفه الأيسر عند السابعة صباحاً، يقولها طالب الجامعة وهو يقضم أول لقمة في مطعم الجامعة وينهي الأخيرة عند باب المحاضرة معتذرا عن تأخره، يقولها الموظف وهو يستأذن من مديره لأجل خروج اضطراري سريع، يأخذ فيه والده لمراجعة الطبيب، وتقولها الأم المعلمة، والعاطلة، ويقولها من في العشرين والثلاثين والأربعين والخمسين، تُقال دائما بنفس الحماسة، بدرجة الإعياء ذاتها، وباليقين ذاته من أن الأجمل لم يأتِ بعد، وأن هذا كله محض ترتيب وتهيئة واستنفار مؤقت، وأن الغد الذي سنلتقي أنفسنا فيه ينتظرنا هناك بابتسامته الهادئة، كالصلاة التي تنتظر الوضوء. لحظات التقاط الأنفاس، أصبحت هي الأنفاس، لحظات النظر إلى الساعة، أضحت أكثر ما نفعله كل ساعة، والأيام تمضي مسرعة كالبرق، تخطئ أحيانا في تذكر ما إن كانت الثانية والثلاثين أم الثالثة والثلاثين بعد ال1400! تخطئ في عمر ابنتك أو ابنك، تنادي بعضهم بأسماء بعض، تشكّ في عدد السنوات التي قضيتها في وظيفتك! توقفنا حتى عن الأحلام، يحدث أحيانا أن تسمع أحدهم يقول إنه لفرط الإعياء نام واستيقظ دون أن يحلم! توقفنا عن الأحلام بوهم الركض خلف تحقيق الأحلام، توقفنا عن التفكير بأنفسنا، وتوقفنا عن التفكير بالآخرين، فالآخرون حتماً بخير، واحدة ضمن آلاف النظريات التي آمنّا بها دون دليل أو أمارة عليها، لنبرر انشغالنا وغيابنا ولنستمر في الركض دون أن تؤخرنا وخزة حس أو ضمير، فالمهام متراكمة، والمسؤوليات كثيرة ومتشعبة، ودولاب الوقت يدور، والأيام تلحق بالليالي، تدور، وتتشابه مع بعضها، والواجبات لا تنتهي، لأنك إنسان، وكل ما تتطلبه الحياة لقاء استحقاقنا لها واجب، العمر واحد، محدود وضيق وقصير. الحياة كثيرة، فسيحة ومتناسلة ومنثورة أمام العين برشاقة وإغواء، لكنه الركض، عدو الطمأنينة، ورمز الخوف والفرح في الوقت نفسه! والذات التي نحاول أن نستردّها كل مساء هي الأخرى تنتظر، لابد أنها تنتظرنا، ننام دون أن نلقي عليها تحية مساء، ونصبح دون أن نوقظها معنا، نذهب دون أن نأخذها معنا، ونعود، ننسى أن نفتح لها الباب، تغدو قطعة من أثاث البيت، تتخلص من ألوانها أحيانا لتهبنا ومضة فرح، تنكسر، تتوارى، تلتصق بالجدار في صمت، قد تصبح لوحة، أو شهادة معلقة، أو تنفذ من الحائط، تخترقه، تختفي وتلحق بالبعيد، وقد لا نجدها مرة أخرى، والأمرّ أننا قد لا نتنبه لغيابها، فنحن دائما لا نجد الوقت الكافي. لكن الحياة تستمر، تمضي كحفيف، هكذا تقول قصائد الشعراء وكتب الفلاسفة وحناجر المطربين، ونداءات الباعة في الأسواق، الحياة لا تتوقف لأجل أحد، كما أنها لا تنتظر أحداً أو تعلن حداداً على أحد، الحياة أكبر من أن تلتفت لإنسان واحد، وسط ملايين البشر، وسط آلاف الأشجار والبهائم والطيور والأحجار، على كوكب من بين آلاف الكواكب، في مجرة وسط ملايين المجرات، الحياة أضخم من أن ترى نملة صغيرة دهسها الغول وسط الطريق، «الحياة تستمر» تقولها الحقائب المعلقة على ظهور الأطفال كل صباح، تقولها الشوارع وإشارات المرور الخضراء والحمراء والصفراء، تقولها الأم التي لا تفعل شيئا سوى البكاء ليل نهار على فلذة كبدها الراحل، يقولها البؤساء ويقولها الأشقياء أيضاً، لا يهم إن اختلفت النبرة أو حركات الشفتين، ولا يهم أوريد نزفها أم أمل زفّها! «الحياة تمضي» تقولها الحياة نفسها، بنكاية، بدهاء، بابتسامة ماكرة لا ملامح لها، ويقولها مسبار فضائي أسمته ناسا «فضول» هبط أخيراً على سطح المريخ في رحلة استغرقت ست عشرة دقيقة في أول جولة لاكتشاف احتمالية وجود مقومات الحياة الأساسية على سطح هذا الكوكب، التصقت به قبل أن يعود إلى الأرض «مواد رملية»، وعاد إلى الأرض بسؤال فطيم: أثمّ حياة أخرى على كوكب آخر؟ لا أحد يدري. السؤال الأهم بعيدا عن فضول العلماء: هل عشنا حياتنا على الأرض كما يجدر بالحياة، لنفكرَ في حيوات أخرى على غير هذا الكوكب المزدحم؟
هذه الكلمات التي كتبت، ستمضي كأن لم تُكتب، كأن لم تُقرأ، عمرها يوم أو بعض يوم…
«الحياةُ أقلّ حياةً
ولكنّنا لا نفكرُ بالأمر
حرصاً على صحّة العاطفة»
محمود درويش


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.