بهدف الارتقاء بخدمات الحجاج والمعتمرين.. اتفاقية تعاون بين مجموعة فقيه للرعاية الصحية وشركة أشرقت    استقرار أسعار النفط مع تراجع المخزونات الأمريكية ومخاوف الطلب العالمي    الإحصاء: التضخم في السعودية بلغ 1.9 % خلال ديسمبر 2024    "عِلم" تبرم مذكرة تفاهم مع "كدانة للتنمية والتطوير" لتعزيز سبل التعاون المشترك    وصول الطائرة الإغاثية السعودية الحادية عشرة لمساعدة الشعب السوري    المملكة وسنغافورة توقعان مذكرة لإنشاء مجلس الشراكة الاستراتيجية    اقتصادي / "مدن" و "اكتفاء" توقعان مذكرة تفاهم للتعاون في توطين سلاسل إمداد قطاع الطاقة    مجمع الملك سلمان العالمي للُّغة العربيَّة ووزارة الحج يُطلقان "معجم مصطلحات الحاج والمعتمر"    لماذا تتوقف الرسائل الصوتية عند تقريب الهاتف من الأذن؟    «وزارة الصناعة» توقع مذكرات تفاهم مع 6 دول لتطوير قطاع التعدين والمعادن في المملكة    استشهاد خمسة فلسطينيين في قصف إسرائيلي على مركز إيواء للنازحين بمدينة غزة    «إثراء الضيافة القابضة» تدشن هويتها الجديدة بحضور وزير الحج والعمرة    حسابات السومة    «التعليم»: الفحص اللياقي.. شرط لقبول الطلاب المستجدين العام القادم    حج آمن    فيصل بن بندر يطلع على أعمال أمن المنشآت    الأهلي يصطدم بالخلود.. وصراع «الوسط» ب «ديربي الرياض»    الشباب ينهي عقد كويلار    الاتحاد يتخلى عن صدارته    أمير القصيم يدشن مشروعات محافظة أبانات    المتحدث الأمني لوزارة الداخلية يؤكد أهمية تكامل الجهود الإعلامية بمنظومة الحج    أمير الشرقية يتسلم تقرير الملتقى العلمي    فيصل بن نواف يطلق ملتقى «جسور»    سعود بن بندر يستقبل مدير الالتزام البيئي ورئيس «رياضة الأساتذة»    المملكة والسَّعي لِرفع العقوبات عن سورية    "سلامة الأغذية" بالرس يحصل على "الأيزو"    البروتين البديل    سعود بن خالد يشهد اتفاقية «الفاحص الذكي»    مستشفى المذنب يُجري 1539 عملية جراحية    «أمن الدولة»: انتقلنا من مرحلة توفير الأمن إلى صناعته    مفتي الطائفة العلوية ل«عكاظ»: السعودية محل ثقة.. ودورها محوري في سورية    مدير الجوازات: أجهزة ذكية لقياس مدة بقاء الحجاج في «الكاونتر»    صراع «الفاشنيستا» تديره فَيّ فؤاد    الدبلوماسي الهولندي ما رسيل يصف بعض جوانب الحياة في قنا حائل    ابو قلبٍ مريح    أمريكا والتربية    م ق ج خطوة على الطريق    يا رجال الفتح: كونوا في الموعد    رونالدو يقترب من تمديد عقده مع النصر    "سلمان للإغاثة" يحلق عالمياً    مفوض الإفتاء في جازان يحذر من خطر الجماعات المنحرفة خلال كلمته بالكلية التقنية بالعيدابي    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. نائب أمير منطقة مكة المكرمة يفتتح» مؤتمر ومعرض الحج 2025»    مجلس الوزراء: تشكيل لجنة مركزية دائمة للجهات الأمنية في المنافذ الجمركية    من أعلام جازان.. الشيخ الجليل ناصر بن خلوقة طياش مباركي    زمن السيارات الصينية    الآثار المدمرة بسبب تعاطي المخدرات    «الغذاء والدواء»: الجنسنغ بجرعات عالية مضر بالصحة    هل انتهت كرة السلة في المدينة المنورة ؟!    ألمانيا.. بين دعم السلام والأسلحة الفتاكة!    الدكتور علي مرزوق إلى رتبة أستاذ مشارك بجامعة الملك خالد    أفكار قبل يوم التأسيس!    انطلاق فعاليات معرض مبادرتي "دن وأكسجين" غدًا في جازان    نائب أمير تبوك يتسلم التقرير السنوي لانجازات واعمال فرع وزارة التجارة    أمير الشرقية يقدم التعازي لأسرة السماري    إنجاز علمي جديد.. «محمية الملك عبدالعزيز الملكية» تنضم للقائمة الخضراء الدولية    أمير الجوف يشيد بدور "حقوق الإنسان"    «اجتماعات الرياض» تبحث إعادة بناء سوريا وتحقيق أمنها    برعاية الأمير فيصل بن خالد.. إطلاق جائزة الملك خالد لعام 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كان يا مكان
نشر في الشرق يوم 06 - 10 - 2012

عندما كنتُ موظفاً حكومياً طُلِبَ مني مرة أن أقدم عرضاً لمجموعة من الزوار عن خدمات المؤسسة التي كنت أعمل بها، ولقد كنتُ حريصاً على أن يكون ذلك العرض مختلفاً وجميلاً. ولكنني كنتُ مرتبكاً وخائفاً ألا يكون كما أتمنى، وعندما أدرك مديري ما بي قال لي إن كل ما علي فعله هو أن أروي قصّة! فتخيلتُ المكان الذي كنتُ أعمل فيه على أنه واحة صغيرة، والموظفون قافلة تسير في الصحراء، وبعد أن أتعبها المسير ووصلت إلى الواحة، قررت أن تستقر فيها وتبني مدينة. واسترسلتُ في سرد قصة المكان وكيف استطعنا أن نجعل منه مكاناً صالحاً للعيش، ثم بدأنا نقدم خدماتنا للقوافل المارة (وفي هذه الحالة الزوّار والمراجعين). وبعد أن انتهى العرض وانصرف الحضور فرحين، فهمتُ ما قصده مديري؛ فالناس تُحب القصص، حتى وإن كانت سخيفة، أكثر من الأرقام والحقائق، لأننا عندما نرويها نكون أقرب شيء إلى حقيقتنا.
فالحكايات لغة عالمية، تتخطى الحواجز الثقافية، وتَرْتُق فجوة العُمر، وتتجاوز الحدود السياسية. وهي الجسور التي تصلنا بالتاريخ، وذاكرتنا هي الأعمدة التي تحملها عبر الزمن. وعندما نروي نسافر مع السنين، دون أمتعة أو خطط، ودون وجهة أو مواعيد للإقلاع والهبوط، ودون الحاجة إلى مسكن، لأننا حينها نسكن أحداق من يستمعون إلينا، ثم لا نخشى أن نهوي مع دمعاتهم، لأنها ستعود بنا إلى الأرض؛ منبع كل الحكايات الصادقة.
عندما نروي قصص الآخرين فإننا نحفر أسماءهم على جدار الزمن، ونحجز لهم مكانا في مساكن الذاكرة.
ولكنني أتساءل دائماً: لماذا يريد الإنسان أن يتذكره الآخرون؟ ربما حتى يستمرّ سرد القصص للأجيال القادمة! ما أجمل حياة الإنسان عندما تصبح قصة تُروى. هناك من يقرأ قصص البطولة، وهناك من يرويها، وهناك من يصنعها. الأول يحب نفسه، والثاني يحب الآخرين، والثالث هو من مصدر ذلك الحب.
والحكايات امتداد للأرواح، تنشر عبقها، ولكنها لا تُكفكِف دمعها.
إنها تشبه يد الأم التي تمسح على صدور أطفالها عندما يبكون، لا ليتوقف الألم، ولكن حتى يستطيعون تحمله.
اسأل نفسك الآن: متى كانت آخر مرة رويتَ فيها قصة حتى نهايتها دون أن يقاطعك أحد؟ هل صارت الحكايات أقل قيمة؟ أم لأننا صرنا أكثر معرفة بما يدور حولنا من علوم وتكنولوجيا وأخبار صار السرد فعلاً رجعياً! لماذا توقفنا عن الاستماع للقصص والاستمتاع بها؟ هل لم يعد لدينا وقت؟ أم لأننا نريد أن نقول أكثر مما نسمع؟ ونفعل أكثر مما ننجز؟
هل ما زالت قصص البطولة والحب والمعاناة وغيرها تحرك شيئاً في داخلنا؟ لماذا يقول بعضهم: «إن الحب الصادق لا وجود له!» ولماذا يشكك آخرون بقصص البطولة، التي على رغم المبالغة في بعضها، إلا أنها تمنحنا الثقة بأننا قادرون على التغيير.
ألا يستحق الأمل أن نحاول مرة أخرى!
يخيل إليّ أننا لم نعد نروي لبعضنا الآخر شيئا لكي نطمس التاريخ؟ ولكن هل من حقنا فعل ذلك؟ وهل نملك الحق في نسيانه؟ لا جريمة أعظم من كتم الحقيقة إلا نسيانها.
لذلك لا تبلغ حكايات النصر حقيقتها القصوى إلا عندما يرويها مهزوم.
كانت جدتي -رحمها الله- تروي لي قصة قبل أن أنام كل ليلة. وعندما كنت صغيراً، حظيتُ بمقابلة نجيب محفوظ مع والدي، وبعد أن انفضّ اللقاء سألته عنه، فأخبرني عن حياته، ثم كانت قراءة قصصه أحد أسباب عشقي للأدب منذ وقت مبكر. أتساءل الآن: من كان يروي لجدتي ولنجيب محفوظ قصصا عندما كانا طفلين؟ لم أتصور أصلاً، حتى هذه اللحظة، أنهما كانا طفلين. ومن كان يُطرب مسامعهما كل ليلة ب «كان يا مكان»؟ قد يكبر الأطفال إلا أن القصص تبقى كما هي، تزداد طفولة كلما رواها كبار السن.
أحب جدتي ونجيب لأنهما علّماني أن الخيال جزءٌ من الحقيقة إن استطعنا أن نؤمن به، وأن المشكلات جزء من الحل إن استطعنا ألا نكرهها.
لقد علّماني أنه في قصة كل إنسان سأجد شيئاً من قصّتي، وفي أفراح الآخرين فرحٌ لي، وأن العالم أكثر رحابة من ضيق صدورنا، وفي الحياة سعادة أكثر من شقائنا. وكل ما علينا فعله هو أن نستمر في قراءة القصص، حتى يعرف المنكسر بأنه ليس وحيداً، وأن النهايات تكون سعيدة دائماً؛ إن تقبّلناها كما هي، لا كما نتمنّى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.