هل هي مصادفة أن تكون معظم القصص (24 قصة) التي اختارها المترجم عمار أحمد حامد - والصادرة عن وزارة الثقافة السورية في دمشق - مأسوية غير كوميدية وساخرة، هذه المرة، وأن تكون في مجملها قصصاً أخلاقية تجمع بين أصالة العرف والتقاليد ورثاء القيم المهجورة. قصة «المهرج» لسامي باشا زاده سيزاي الذي ينسب إليه نقل المذهب الواقعي إلى الرواية التركية تروي حكاية مهرج يقع في حب إحدى المعجبات التي لا تفهم حبه، فينتحر من غير أن يفلح في إبكاء جمهوره ميتاً كما أضحكهم حياً. قصة «المحسة» لعمر سيفتين صاحب التعبير القومي والثقافة التركية الأصيلة تروي حكاية طفلين أخوين. يتهم الأب الطفل الصغير البريء بكسر المحسة – مشط شعر الحصان - ظلماً فيموت الطفل ليلاً تاركاً الحسرة في قلب الطفل الأكبر الراوي، الفاعل الحقيقي. ويروي في قصة «القسم» الأثر الذي تركه يمين الجدة لابن الجيران الذي اقتحم الدار باحثاً عن أخته، كذباً، ثم تشرح الجدة لحفيدها أن يمينها أبيض، ما دام قد حمى حياة الصبية الزائرة من بطش الأخ وتنتهي القصة بجملة «التين المجفف لم يعد له الطعم ذاته الذي كان قبل 25 عاماً... كم كانت الحياة جميلة!». وفي قصة «البحث عن قديسين» لرشاد نوري غونتيكين يجري الحديث عن تنفيذ وصية ثري أوصى بماله لأفضل رجل في القرية وكلما زكي أحد المرشحين انبرى المحامي ذاكراً سيئات المرشح وعيوبه وتختتم القصة بعبارة ساخرة تقول إنه إذا استمرت الحال على هذا المنوال فلن يبقى فاضل في القرية غير المحامي. وفي قصته الثانية «قليل من الماء» عزف سردي وشعري على أمثولة تجسد حب أب لطفلته المريضة التي تموت فيتضرع الأب لأطفال القرية لدعوة كل عابر سبيل للشرب من ماء النبع الذي ماتت بجواره ابنته الحبيبة. تتشابه قصتا «السلسلة» لرفيق حاليت كاري و «غمامتا الحمار» لشتيتن آلتان من حيث التأمل الفلسفي الناعم لتأثير القيد في الحيوان بينما تتفرد قصة «المسافر» لنجيب فاضل قصا كورك بتعابير علمانية، وهي تروي قصة مسافر هارب من السرطان ما يلبث أن يقع ضحية لسكتة قلبية. أما سعيد فايق عباسي يانكي فيجاهر في قصصه العاطفية بحبه وحدبه على شخصياته الضعيفة وتظهر هذه العاطفة قصة «صديقي بائع الكستناء» المسكين الذي يتحول إلى متسول بعد إدمانه المخدرات. تروي قصة «السيدة غراموفون» حكاية راقصة ضعيفة الذاكرة بسبب كثرة الرجال الذين يعبرون في حياتها لكنها تتحول إلى حب فتى يدافع عنها يوماً وتهمّ بالكف عن عملها من أجله لولا الجرح الذي أصابه والذي يتطلب تكاليف علاجية فتعود للرقص. القاص المعروف أورهان كمال يحكي في قصة «تومسون الأسد» حكاية بائع جوال يروي حكايات السينما للأولاد ثم يتماهى مع بطل الفيلم ناسياً شخصيته الحقيقية. يروي الروائي والقاص المعروف يشار كمال في قصة «الصياد» حكاية غنائية ملتاعة عن صبية أخلصت لحبيبها الفقير وتزوجته مؤثرة إياه على آخرين، فوجدت نفسها عجوزاً في بضع سنين بسبب مهنة زوجها في صيد البط المتعبة التي تقتضي الاغتراب عنها وعن هموم أولادهما. القصة واحدة من أميز قصص المجموعة وأكثرها تأثيراً على رغم كلاسيكيتها وعلى رغم الزوائد الوصفية النافلة للطبيعة الأناضولية. وتتميز قصة الصحافي المحترف شتيتن آلتان الثانية «الترنيمة الجنائزية» بمزج القصة بالمقال الصحافي ويسرد فيها مجموعة من المعلومات المؤثرة المكتوبة بلغة وصفية مدققة عن حرب فيتنام. قصة الكتاب الشعبي مظفر بيويور كشو «القطران» تروي حكاية شرطي ينقذ لصاً من يدي المجني عليه، ثم يقوده لإعادة المسروقات وعند وصوله إلى الدار يكتشف أن المسروقات بسيطة، ويجد مشهداً مؤثراً وهو مشهد الأب منهمكاً في تنظيف حماره من القطران شفقة به. وتقف قصة «باكير يلدز» جريمة شرف «وهو أحد اشهر كتاب القصة التركية المعاصرين إلى جانب قصة يشار كمال التي سبق ذكرها، من حيث أثرها النفسي في القارئ وتحكي حكاية فاطمة التي تضطر إلى إخفاء حبيبها السابق في بيتها، فيقتله الزوج قتلة قاسية، ويترك الزوجة للأخ ليذبحها جاعلاً من يدها علماً يدل على الشرف الرفيع المستعاد. لقد درّ قتل فاطمة على أهلها «مجداً» لم يكن لها منذ وصولها إلى هذا العالم!». معظم قصص المختارات مأسوية على غير عادة المختارات التركية للترجمة إلى العربية، باستثناء قصتين سبق ترجمتهما في أول مختارات قصصية لعزيز نسين هما قصة «الخدمة الوطنية» التي ترجمت فاضل جتكر تحن عنوان «واجب وطني» وقصة «المعرفة قوة» التي ترجمت في إحدى المجموعات القصصية. توازيهما قصة ساخرة ثالثة لعدنان فيلي عنوانها «كل شيء على ما يرام في الديموقراطية» ويسرد فيها الكاتب حواراً طريفاً يبيّن النفاق السياسي الذي كان يسم الحياة السياسية التركية.