المملكة العربية السعودية دولة مترامية الأطراف. تتكون من مناطق عديدة، تختلف جغرافيتها الطبيعية بين السواحل والجبال والصحاري. وتبعا لذلك، فإن الموروث الشعبي يتمايز من منطقة إلى منطقة ومن بيئة إلى أخرى. وتأتي الرقصات الشعبية واحدة من أبرز الفنون التي تعتز بها هذه المناطق، لأنها تأتي حالة تعبيرعن المجتمع. وهي ليست فنا فردياً يؤديه أحدهم، ويستقبله آخرون. إنما هي فعل جمعي، يعبر عن حالة اجتماعية مر بها المجتمع عبر عصور تكوينه. وهذا الموروث الشعبي، هو الأكثر صدقا في تعبيره، لأنه نابع من الإنسان للإنسان بعيدا عن تأثيرات خارجية. وهو نشاط توارثته الأجيال كابرا عن كابر، بأسلوب متواتر، يخضع للمراقبة الجمعية، ويحميه الهم الجمعي المشترك بين الناس، لأنه يمثلهم جميعا. إن من يزور مناطق المملكة المختلفة من المهتمين بالثقافة، سيفاجأ بهذا التنوع والثراء. والمتابع لتنوع هذه الرقصات، وتعدد ألوانها وأشكالها، يدرك أن ثروة ثقافية كبيرة وغنية تحتفظ بها هذه الأرض، ويمارسها أبناؤها بحب وشغف. إنها طقوس شعبية، يمارسها الجميع غالبا على اختلاف فئاتهم العمرية، وطبقاتهم الاجتماعية. في مرحلة تاريخية قريبة، خفت الفنون الشعبية والرقصات الجمعية، حين غلبت في بعض المناطق ثقافة الموت، وأصبح التعبير الجمعي الفرائحي خافتا، لا لقناعة بغيابه، وإنما لظرف تاريخي سانده واقع إداري! وحين بدأت ثقافة الحياة تدب في المجتمعات، برزت الأهازيج والرقصات الشعبية، وعادت الروح المتفائلة إلى كثير من المناطق. وإذا حدث في مرحلة تاريخية وحدوية اختيار أحدها لتمثل الوطن، فإن أنواعها المختلفة من الشمال والجنوب والشرق والغرب، تضرب في عمق تاريخ الوطن. وتعلن عبر طقوس أدائها عن مخزون ثقافي تضمه هذه الأرض. وإذا كانت قد نبتت في مناطق معينة، فإنها غدت ملكا للوطن بأكمله والمواطن بأجمعه. ورحلة هذه الفنون عبر المناطق، والاحتفاء بها خارج حدودها الجغرافية، يمكن أن يسهم في وحدة وطنية أقوى. فالوحدة السياسية نقطة انطلاق أساسية، لكن الثقافة هي الدعامة التي تسندها. والتداخل الثقافي عبر مناطق جغرافية متعددة، يشعر الجميع أنهم ينتمون إلى وطن أكبر، يتم الاحتفاء بخصوصيتهم الثقافية، وإبراز ألوان تاريخهم، لإيجاد ثراء ثقافي في محيط الوطن كله. إن معظم هذه الفنون تعبر عن حالة جمعية، فتقارب الأفراد خلال حركاتهم، وتلاحمهم أثناء أدائهم، يؤكد على ذوبان الأنا في نون الجمع. وهو تعبير عن الوحدة المجتمعية، التي يمكن أن تنمو لتكون تعبيرا عن الوحدة الوطنية، التي يعمل الجميع من أجل الحفاظ عليها. قد نكون لأسباب وحدوية حرصنا سياسيا وإعلاميا على البحث عن العوامل المشتركة بين هذه المناطق، من أجل أن تنصهر في وحدة سياسية، وهذا هدف سام جدا. أما وقد أصبحت الوحدة الوطنية جزءا أساسا من حياة أبناء هذه الأرض، يحتفلون بها وينافحون عنها، فحري أن تكون هذه الفنون الشعبية حاضرة خارج نطاقها الجغرافي بفعلها المباشر، عبر تنقل المجيدين لها من منطقة إلى أخرى، وعبر وسائل الإعلام المحلية التي غالبا ما تحتفي بالبعيد، وتغفل الثروة الكامنة في هذه الأرض!