يتميز التراث الشعبي في الجزيرة السورية بغناه وتنوعه وعمقه الثقافي والتاريخي وتشكل الماثورات الشعبية والفلكلور ثقافة عامة يتداولها الناس في بيئة الجزيرة في وقت كانت هذه الثقافة المكتوبة نادرة وغير معروفة. ولا شك أن الدراسات حول التراث الشعبي في هذه المنطقة وسائر المناطق السورية الأخرى مازالت محدودة وضئيلة وهذا يشكل إحدى نتائج النظرة السلبية حول الفلكلور كما أنه من جهة أخرى ناجم عن صعوبة العمل في هذا الميدان الشاسع لما يتطلبه ذلك من جهود على صعيد البحث والانتقال والجمع والتوثيق والتحليل إضافة إلى غياب المنهجية العلمية والأدوات المعرفية التي تساعد البحث في هذا المجال. الاستاذ الباحث احمد الحسين ومن خلال كتابه الجديد الصادر عن وزارة الثقافة السورية ومن خلال سبعة فصول أساسية يغطي مساحة واسعة من جوانب الفلكلور والمأثورات الشعبية في منطقة الجزيرة حيث ركز بشكل خاص على ماله علاقة بفنون الأدب من قصيد وحكايات وأمثال وأهازيج حماسية وأغان عاطفية ووجدانية في الأفراح والأحزان وطقوس العمل والخصب والمناسبات الاجتماعية. ففي الفصل الأول: يقف الباحث عند مصطلح الفلكلور وما يقال في تعريفه ودلالته ومدارسه وعلاقته بالعلوم والفنون الأدبية والتاريخية والميثولوجية ويوجز في القول حول اهتمام الغرب بالفلكلور، كما يتتبع صدى الظاهرة الفلكلورية في التراث العربي القديم ومواقف الباحثين والدارسين العرب المعاصرين منها والإشكاليات التي تثار حول الفلكلور سواء كانت لغوية أو فكرية. اما الفصل الثاني فيناقش الباحث بشكل موسع أهم اعتراضين يثاران على الفلكلور والتراث الشعبي وأعني بهما عملية المشافهة والمشاعية من جهة وطبيعة اللهجة المحلية التي يقال بها ويذاع من جهة أخرى وعرض لأهم الظواهر الصوتية واللغوية التي تميزت بها لهجة الجزيرة والتي لا تخرج في الإطار العام عما عرفته لهجات القبائل العربية كما أشارت إليها مصادر اللغة والأدب. اما فنون الأدب في الموروث الفلكلوري والتي تعبر عن إبداعات البيئة الشعبية ومن بينها شعر القصيد بأغراضه وموضوعاته وبنيته الفنية والملاحم والحكايات والأساطير وأنواعها ومستوياتها ووظائفها ودلالات الأمثال وقصصها ثم الأحاجي والألغاز الشعبية فيستعرضها الباحث في الفصل الثالث من خلال شواهد كثيرة . وفي الفصل الرابع يتوقف عند الفنون الصوتية الحركية وهي الفنون المرتبطة بالغناء والرقص ومواكب الطقوس والاحتفالات فعرض من بينها: فنون الغناء الذاتي و الوجداني والحماسي والمدائح النبوية وأناشيد المحيا والطهور وأغاني الندب والنعي وتنويم الأطفال وفنون الرقص والدبكات والآلات الموسيقية الشعبية. أما في الفصل الخامس فيخصصه لأغاني العمل التي كان أفراد المجتمع من رجال ونساء يستعينون بها لقضاء أعمالهم أو إضفاء بعض الطقوص الدينية عليها ومن ذلك الأهازيج والأغاني التي تقال عند الحصاد وفلاحة الأرض وسقاية الماشية وقصاص الغنم وكذلك أغاني المرأة عند حلب الماشية ومخض اللبن وجرش الحبوب وغزل الصوف وإعداد بعض الأطعمة. وفي الفصل السادس يتوقف الحسين عند طقوس المطر التي تعتبر جزءاً من طقوس الخصب وتحمل اهمية كبيرة في حياة مجتمع الجزيرة الذي يعتمد على الزراعة والرعي ويقوم الحسين بتتبع جذور الطقوس والمؤثرات الدينية والأسطورية فيها وامتدادها على الساحة الجغرافية العربية والتي تتجلى في طقوس كثيرة مثل : أم الغيث وصلب العدة أو المحراث وحورة النساء والقرابين وصلاة الاستسقاء وأغاني هطول المطر والموازيات المماثلة لها في البيئات العربية. ويتناول الباحث في الفصل السابع: ألعاب الصبيان والفتيات فيورد منها ما يربو على ثلاثين لعبة برزت فيها خصوصية الأداء الصوتي والحركي وعناصر البيئة ومكوناتها وتجلى من خلالها بشكل يثير الانتباه العمق التاريخي والموروثي الذي يرجع إلى آلاف السنين وكذلك البعد القومي والامتداد الجغرافي المعبر عن التواصل والانتشار ووحدة الطابع الفلكلوري العربي وتقاربه من البيئات العربية. أما منهج البحث وطريقة التصنيف في هذا الكتاب فقد اعتمد الباحث من حيث المنهج على عملية الجمع والتوثيق والتحليل ومقارنة نصوص المادة الفلكلورية ومن ثم تبويبها ودراستها وتحليل مضمونها وأغراضها وتحديد سماتها الفنية والفكرية. كما حرص الباحث على تقريب صورة المادة الفلكلورية المنطوقة ولا سيما في فنون القول كالصيد والغناء على كتابة تلك النصوص وفق منطوق اللهجة العامية مراعيا التبدلات الصوتية واللفظية فيها وخاصة فيما يتعلق بكتابة حرف القاف حين يلفظ بما يشبه حرف (GU) وحرف الكاف حين ينطق بما يشبه حرف (CHI) وذلك بهدف تقريب المنطوق اللفظي والصوتي إلى ذهن القارئ. ويعتبر الكتاب الذي يندرج ضمن سلسلة «مشروع جمع وحفظ التراث الشعبي» هو الاول من نوعه ويشكل لبنة اولى في صرح التراث العربي الواسع بمستوياته الفصيحة والشعبية وهو جهد يسهم في ترسيخ أصالة هذه الأمة وغنى ما تمتلكه من رصيد ثقافي ومنتوج أدبي وفكري وفني يحقق التواصل والاستمرارية بين أبناء هذه الأمة منذ آلاف السنين.