يأتيك الصوت من زمن بعيد، لكنك لم تنسه، إنه يختفي بداخلك لكنه لا يغادرك أبداً، تغمض عينيك قليلاً ثم تشاهد ذكريات الطفولة كما لو كنت تشاهدها على شاشة عرض كبيرة. اليوم الأول في المدرسة، ولادة طفل جديد في العائلة بعد أن كنت أنت وحدك طفلها المدلل، موت رجل من الجيران، تخرج ابن الخال من كلية عسكرية، دخول الصف الأول الثانوي، لبس العقال للمرة الأولى، والتجربة المثيرة حينما قدت السيارة للمرة الأولى. ما الذي يعيدنا الى تلك الذكريات بتفاصيلها؟ وماذا عن ذكريات الأمس القريب؟ أهي الطفولة ثم المراهقة المبكرة التي تصبغ الذكريات القديمة جداً بألوان الفرح والبراءة؟ لي صديق عزيز لم أره منذ غادرت الثانوية، كان نعم الأخ ومن أقرب رفاق المدرسة، باعدت بيننا الأيام والاهتمامات، تواصلنا من جديد قبل أشهر، ولا نجيد الكلام في شيء سوى ذكريات الثانوية، وحينما تضيق بنا الدنيا -وما أكثر ما تفعل- نعود لأيام الصبا الجميلة فنجد فيها ملاذاً مؤقتاً من ضجيج يومنا ومخاوف القادم من الأيام والأحداث. الحنين ليس لتلك الأيام والأحداث القديمة، إنه لبراءتنا وقتها، ولمشاعرنا تجاهها. إنه حنين خفي يعيش مع المرء حتى الموت لتلك الطفولة بكل ما فيها من براءة وحزن وفرح وتعب. ذلك هو الحنين للمشاعر الأولى بما فيها من بساطة وطفولة. وإلا لما قفزنا التجارب اللاحقة وساقنا الحنين للبعيد من الذكريات والحكايات. أم إن قدر الإنسان أن يستعيد ذكريات الطفولة البعيدة عسى أن يكون فيها هروبه من أحزان اليوم وتعقيداته؟ هل من تعاسة الإنسان أن تكون الطفولة هي أحلى وأجمل ذكريات عمره؟