بدأت محكمة شمال القاهرة، أمس، محاكمة قبطي مصري بتهمة ازدراء الأديان وتحقير الذات الإلهية، بعد اتهامه بأنه نشر على صفحته على موقع فيسبوك مقاطع فيديو من الفيلم المسيء للإسلام الذي فجر موجة من الغضب والعنف في عدد من البلدان الإسلامية، وقرّرت المحكمة تأجيل النظر في القضية إلى 17 أكتوبر المقبل لإتاحة الفرصة لمحامي صابر لدراسة القضية. وكانت السلطات المصرية ألقت القبض على ألبير صابر (27 عاماً) في 13 سبتمبر الجاري بعدما تجمهر مئات المسلمين الغاضبين تحت بيته متهمينه بنشر مقاطع من الفيلم المسيء للإسلام على الإنترنت، وقام ألبير بالاتصال بالشرطة لحمايته لكن الأخيرة ألقت القبض عليه ليقدم للمحاكمة بتهمة ازدراء الديانتين الإسلامية والمسيحية، وفقاً لمنظمات حقوقية. ويواجه صابر تهماً تصل عقوبتها للسجن خمس سنوات وفقاً لمواد القانون المصري المتعلقة بازدراء الأديان. متهم بأشياء لم يفعلها وقال صابر، الذي ظهر في قفص المحكمة شاحباً وحليق الرأس بزي الحبس الاحتياطي الأبيض، ل»الشرق»: «أنا متهم بأشياء لم أفعلها على الإطلاق»، متابعاً «حسابي على الفيسبوك مسروق منذ 2010 وقمت بتحرير محضر بذلك». وأضاف أن «90% من أصدقائي مسلمون ونأكل ونشرب معاً ولا أكره أي دين»، مضيفاً أن «بعض المتشددين استغلوا الفيلم وقدموني كبش فداء». وتابع صابر وبدت على وجهه آثار عراك «تم التحقيق معي تحقيقاً دينياً.. المحقق سألني عن إيماني بالقرآن وعن معتقدات ديني»، متابعاً «كما تعرضت للتمييز أثناء التحقيق فتم طرد المحامي الذي حضر معي عندما اعترض على الأسئلة الدينية». وأضاف «معتقدي الديني ليس محل نقاش مع الناس». ومنع القضاة دخول المصورين القاعة لكنهم عادوا وسمحوا بالتصوير، ليتدافع عشرات المصورين تجاه ألبير لتصويره، حيث أشار لهم بعلامات النصر وهو يضحك. الأقباط متهمون وتأتي القضية فيما يشعر المصريون الأقباط بالقلق ويخشون من أن يدفعوا ثمن الفيلم المسيء للإسلام، ويشكو الأقباط منذ سنوات من تعرضهم للتمييز، خصوصاً من عدم تعيينهم في الوظائف العليا في الدولة، ومن فرض قيود على بناء الكنائس. وقال الرئيس المصري محمد مرسي المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، أمس، إن «كل المصريين يمثلون الأغلبية: الرجال والنساء والمسلمون والمسيحيون.. من دون تمييز على أساس الدين والجنس واللون». وأبدى أحمد عزت، محامي المتهم، اعتقاده بأن القضية رُبطت بقضية الفيلم المسيء للرسول دون أن يكون لموكله شأن بها. وقال «موكلي ليس له علاقة بالفيلم المسيء، لكن قضيته أخذت في هذا السياق كجزء من تهدئة الرأي العام الغاضب»، متابعاً أن «القضية تدور في إطار من التمييز والإدارة غير الجيدة للعدالة، خاصة بحق المنتمين للأقليات». وحضر كثير من ناشطي المجتمع المدني، وأغلبهم من المسلمين، المحاكمة، بالإضافة لمحامين مسيحيين قالوا إنهم جاؤوا للدفاع عن حرية الرأي والتعبير. ويتهم كثير من الأقباط السلطات المصرية بالازدواجية فيما يتعلق بقضايا ازدراء الأديان، حيث يُقدم المسيحيون أكثر من نظرائهم المسلمين للمحاكمة بارتكاب ازدراء للأديان، وقام شيخ سلفي يدعى أبوإسلام قبل أسبوعين بتمزيق الإنجيل، وتمت إحالته للمحاكمة هو الآخر، لكن النيابة لم تأمر بسجنه احتياطياً. وقال عزت «المشكلة في مواد القانون الفضفاضة وليس فيما فعله ألبير، فمواد القانون المتعلقة بازدراء الأديان وإثارة الفتن يمكن تقديم مائة تفسير لها». وقال عزت «إجراءات المحاكمة تُبنى على إجراءات التحقيق، ولو كان التحقيق غير عادل وغير محايد فإن القضية لن تكون عادلة أو طبيعية». تهديدات بالقتل ومنذ القبض على صابر، غادرت أسرته المنزل بعد أن تلقت تهديدات بالقتل إن عادوا، وهو ما جعل والدته وأخته تتنقلان بين معارفهما للإقامة عندهم خشية تعرضهما للأذى. وقالت كريمان مسيحة، والدة صابر، التي حضرت المحاكمة برفقة ابنتها وأصدقاء لابنها، «مصدومة ومرعوبة ولا أصدق أن كل ذلك يحدث لي ولابني»، مواصلة «ليس لنا أي علاقة بالفيلم المسيء، لكننا ندفع ثمنه». وقالت كريمان، التي بكت كثيراً بعدما رأت ابنها، «أدافع عن ابني وعن حقه في التعبير، ألم تنادي الثورة بالحرية؟»، متابعة بينما كانت تمسح دموعها التي انهمرت بغزارة «ربنا هو من سيدافع عنا». وقال أحمد سيف الإسلام المحامي وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان «القضية متأثرة بالجو الملتهب المرتبط بالفيلم المسيء.. وأخشي أن تزيد القضية من حالة التوتر بين المسلمين والأقباط». وأفدات شهادة حقوقية لمحامي صابر كثيراً من الحنق العام بعدما قال محاميه إنه تعرض للتأنيب من بعض القضاة ووكلاء النيابة حول كونه مسلماً يدافع عن مسيحي يزدري الإسلام. وقال سيف الإسلام، الحقوقي المشهور الذي التف حوله عدد من المحامين الأصغر سناً، «نحن هنا لنضمن لألبير محاكمة عادلة، فالعدالة ليس لها علاقة بالأديان»، مواصلاً «نريد أن نبعث رسالة مفادها أننا كمسلمين ندافع عن المتهمين بغض النظر عن الأديان». من جانبه، قال محمود رفعت المدعي بالحق المدني في القضية «ادعيت بالحق المدني لأنه تم إيذائي بالسوء معنوياً»، متابعاً «لقد تطاول وأساء للقرآن والرسول»، مضيفاً بحدة «أطالب المحكمة بأقصى عقوبة ليكون عبرة لكل العابثين بالدين».