يدرك الجميع أهمية الإعلام الجيد في رصد واقع المجتمعات وقراءة التحولات وإعادة تثقيف الأمة. وتلك أمور بديهية يتوقعها المرء من الإعلام الجاد بكل مكوناته. لكل السؤال الذي يطل علينا هو: هل يعي بعض العاملين في الحقل الإعلامي والمشتغلين بالشأن الثقافي المهمة السامية الموكلة لهم والملقاة على أكتافهم؟ الإجابة عن مثل هذا التساؤل أعتقد أنها بحاجة إلى دراسة واقعية وبحث علمي جاد يمكننا من رصد البنية المعرفية والوعي الوظيفي لممتهني العمل الإعلامي. لكني هنا سأحاول جاهدا أن أرصد بعض مشاهداتي التي امتدت لسنوات عن واقع الإعلام وانعكاسات طروحاته على الداخل السعودي. يظهر للمراقب بجلاء أن أغلب التقاريرالصحفية التي يزخر بها إعلامنا تحمل نوعا من المبالغة والتهويل لقضايا قد لا تكون من الأهمية بمكان، وأعتقد أن مرد ذلك هو رغبة معد التقرير في جذب القارئ إلى طرحه، وعملية الجذب بحد ذاتها أمر محمود ومن لب العمل الصحفي، ولكن ذلك يكون عندما تنفذ باحترافية، ولكن أن يكون ذلك الجذب قد تم توظيفه لرصد صحفي يتسم بالمبالغة أو كون الموضوع لا يشكل اهتماما أو تأثيرا على حياة المواطن العادي، فذلك من وجهة نظري هو أمر ممقوت.ولعل مما يضاعف المشكلة أن هناك العديد من ممتهني العمل الإعلامي ممن يجيد رصف الكلمات ببلاغة رغم محدودية بنيته الثقافية ومحدودية سعة أفقه، ثم يلجأ للإنترنت لاستقاء محتوى طرحه الصحفي ويغفل عن أن غالبية ما يرصد في هذه العوالم الافتراضية قد يتسم بمجانبة الصواب أو تم رصده من قبل بعض الممتهنين للتدوين الإلكتروني، ولكنهم من ذوي التفقه الموضوعي المحدود. طبعا ماعدا مواقع معينة مشهود لها بدقة وصحة المحتوى ومتابعة المشرفين عليها وتحديث محتواها باستمرار. أعود فأقول إن ذلك يسهم في تزويد المتلقي بمغالطات، وهنا يطل السؤال: وما هو الحل؟. الإجابة ببساطة أننا بحاجة الى أمرين الأول هو وجود ميثاق صحفي أو إعلامي يلتزم به الجميع ويحدد لنا كمشتغلين بالعمل الإعلامي ما لنا وما علينا، والأمر الثاني هو أننا بحاجة إلى مشروع إعلامي يُعنى بتثقيف جملة العاملين والمهتمين بالعمل الإعلامي، ويركز هذا المشروع على إعادة هيكلة البنية المعرفية للإعلاميين وإكسابهم المهارات والأدوات اللازمة لعملهم.