افتتح مؤتمر الفكر العربي الرابع أعماله في دبي أمس بحضور الفريق أول سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي وزير الدفاع في دولة الإمارات العربية المتحدة وحشد ضخم من كبار المسؤولين بمن فيهم الملكة رانيا العبد الله وصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل رئيس مؤسسة الفكر العربي وعمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية وصاحب السمو الملكي الأمير الوليد بن طلال. وشارك في المؤتمر الذي تنظمه مؤسسة الفكر العربي ونادي دبي للصحافة تحت شعار «الإعلام العربي والعالمي.. التغطية والحقيقة»، قرابة 1000 من كبار المسؤولين والقيادات الإعلامية والشخصيات الأكاديمية من مختلف أنحاء المنطقة والعالم. ويناقش المؤتمر على مدى يومين دور الإعلام العربي في مواجهة التحديات التي تواجهها المنطقة وسبل الارتقاء بهذا الدور لخدمة المصالح الاستراتيجية للعالم العربي والإسلامي بالشكل الأمثل، إلى جانب العديد من القضايا الحيوية التي تتراوح بين دور وسائل الإعلام العربية والعالمية في تجسير الهوة بين الشرق والغرب وكيفية بناء إعلام يتسم بالمصداقية والشفافية يساهم في تفعيل دور المنطقة على المستوى المحلي والعالمي، من أجل تخطي التحديات التي تواجهها. وتمتاز الدورة الحالية للمؤتمر الذي تنظمة مؤسسة الفكر العربي بأهمية خاصة كونها ستركز على موضوعات مهمة على الساحة الإقليمية والدولية وستحاول الإجابة على تساؤلات ملحة منها كيفية مساهمة وسائل الإعلام في إحداث الإصلاح السياسي في العالم العربي، ومدى انتشار الديمقراطية في العالم العربي، أم أنها مجرد دعاية سياسية، الحقائق الكامنة وراء تغطية أخبار العالم العربي، تعامل الصحافيين مع الرقابة والدعاية في نقلهم أخبار الحدث بالدقة المطلوبة، تأثير المواطنين الصحافيين وسرعة وسائل الإعلام الجديدة على الصناعة الصحفية، أهم الشؤون الحاسمة المقبلة في منطقة الشرق الأوسط وأهم المعضلات الأخلاقية التي يواجهها الصحافيون. وفي كلمته الافتتاحية لأعمال المؤتمرالافتتاح الرسمي للمؤتمر قائلا ان: «المؤتمر السنوي الرابع لمؤسسة الفكر العربي والذي اختار دبي مكانا لانعقاده يبحث في قضايا الاعلام العربي والعالمي على اسس تستند الى الحوا رالبناء في جو من الحرية المسؤولة والواعية»، وشددماهر الى ان: «الوضع الراهن في العالم العربي يضع مسؤولية كبيرة على كاهل الاعلاميين والاعلاميات، ليكون الاعلام قناة للتقارب والحوار مع الثقافات والحضارات لا سببا لصدامها» وأضاف: «ان الرعاية الكريمة من قبل صاحب السمو حمد بن راشد ال مكتوم ولي عهد دبي وزير الدفاع وصاحبة الجلالة الملكة رانيا العبد الله حرم جلالة الملك عبد الله بن حسين ملك الاردن، وصاحب السمو الملكي الامير خالد الفيصل بن عبد العزيز ال سعود، وامين عام جامعة الدول العربية الاستاذ عمرو موسى، وحضور هذا الحشد الكبير والمميز من قبل الاعلاميين والصحفيين العرب والاجانب، لدليل على رغبة كبيرة في التواصل وتقريب وجهات النظر وتصحيح صورة العربي في الاعلام العالمي». في حين حذر صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز رئيس مؤسسة الفكر العربي في كلمته أمام الحضور أن: «تحول الإعلام من ناشر للحقيقة إلى مخلب قط موجه لوأدها ونشر مفاهيم خاطئة قد تؤدي إلى اتخاذ قرارات سياسية بالغة الخطورة، مشيرا إلى أن (الإعلام العربي والعالمي) وقعا في براثن مثل هذه الخطايا الإعلامية وإن تفاوتت بينهما درجة الحرفية والمبررات وجسارة الولوج إلى حقول الأشواك». ودعا الأمير خالد الفيصل في كلمته رجال الإعلام العربي والعالمي إلى بناء منظومة تعاون وتنسيق من خلال حوار حضاري يقبل تعدد الآراء ويصل بالجميع الى قناعات مشتركة، مشيرا إلى أن ذلك يشكل فرصة مثالية لتعرف الإعلاميين العرب على مدى ما وصل إليه التطور التقني لدى الغير ولتحرير المزيد من المساحة لحرية الراي والتعبير. كما دعا الفيصل الإعلام الغربي بإعادة تقويم دوره الخارجي، بشأن منطقتنا على نحو الخصوص، وبانتهاج الموضوعية في الحكم على الأحداث التي يتزايد ضجيجها يوماً بعد الآخر باستحداث عشرات الفضائيات والإذاعات ومئات الصحف والدوريات والمواقع الإلكترونية. وتساءل الفيصل عما إذا كانت هذه الطفرة العددية قد أدت رسالة الإعلام المتعلقة بتثقيف الإنسان العربي وتنمية شخصيته وغرس اعتزازه بعروبته أو أنها على العكس تبنت دور الوسيط المروج في دوائرنا الشبابية للنموذج الغربي وأغرته دوما باعتناق قيمه ولو على حساب الانسلاخ عن مبادئه وجذوره وأصوله. كما تساءل عن مدى نجاح فضائياتنا وصحفنا الموجهة بلغات أجنبية قد نجحت في التأثير على المناطق المستهدفة وما إذا كان الإعلام قد أوفى بمسؤوليته عن تأسيس خطاب عربي عقلاني جديد ينقل صورتنا الحقيقية إلى الآخر ويدفع التهم عن واقعنا وساحتنا العربية أم ظل خطابنا بيننا كحوار طرشان. وقال: هل آن الأوان لإدراك أهمية القفز على مرحلة العشوائية والنرجسية والسجالات العقيمة، فالأمر يقتضي وقفة جادة مع النفس إذا ما أردنا توظيف منظومتنا الإعلامية على الشكل الصحيح في خدمة الأمة داخليا وفي تجسير الهوة مع الآخر على أسس علمية وبأحدث التقنيات، وأعرب عن أمله في أن يشكل المؤتمر نقطة انطلاق إلى مرحلة جديدة يمارس فيها الإعلام -هنا وهناك- مهامه الأصيلة في بث الحقائق وتثقيف الإنسانية وتأكيد حق الهوية لكل أمة. من جهته شن عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية خلال الكلمة الرئيسية للمؤتمر الذي تنظمه مؤسسة الفكر العربي ونادي دبي للصحافة، هجوماً حاداً على الإعلام الغربي لتعمده نشر صورة مشوهة مضللة للعرب والمسلمين تربطهم بالإرهاب، واصفا ذلك بأنه كذبة كبرى وجريمة حضارية. ودعا عمرو موسى في كلمته إلى نظرة جريئة جسورة لا خوف فيها إلى موضوع الإعلام الدولي، وقال: يجب أن لا نخاف من أن نضرب كبد الحقيقة، فعلى الرغم من أن هناك صحافة وإعلاما عالميا محترما صادقا إيجابيا، فقد ظهر في الاونة الاخيرة في الإعلام العالمي، إعلام التأليف والتركيب والفبركة لخدمة مصالح سياسية مشكوك في سلامة أركانها، وقد عايشنا نحن في العالم العربي أحداثا رهيبه، قامت على أساس معلومات محقونة، وبصرف النظر عن القضية السياسية والمشكلة العصية التي انتهت إليها، فليس هذا موضع التعرض لها - إذ نتحدث عن الإعلام - فإن المعلومات المغلوطة عمدا قد ألحقت بالعرب الضرر، فالإعلام العالمي، أو بعضه، يركز اليوم على العلاقة بين العرب والارهاب، وهي تهمة تمثل نظرة عنصرية وسقطة حضارية أن يتهم عالم كامل من الملايين من البشر بتهمة جماعية، مثلما اتهم اليهود من قبل، واتهم غيرهم على مر العصور، وكلها جرائم سوف يدفع العالم ثمنها، وسوف يدفعها، وهذا الهجوم والتهجم على العالم العربي لا يجب أن يترك دون أن يرفع ثمنه، وسوف يدفع ولو لاحقا، كما علمتنا وتعلمنا دروس التاريخ. وقال موسى إن الربط بين العرب والإرهاب كذبة كبرى ويجب أن نقول ذلك وأن نكرره، و أرى هذه النظرية في النهاية نظرية مهزومة لأننا نحن العرب أو اكثرنا وغالبيتنا العظمى لم نخف منها، ولم نصدقها، ولم نتصرف على اساسها ولكن نقبل النقد البناء الموضوعي لأحوالنا، هذا ما يجب أن يتعرض له الفكر العربي في اجتماع كهذا. وتطرق موسى إلى الربط بين الارهاب والاسلام. فقال: هذه ايضا كذبة كبرى بل جريمة حضارية بكل معاني الكلمة.. وسوف تهزم أيضا، لأن المقصودين بهذا التهجم أو الهجوم في عقلهم الجماعي رفضوه، لم يصدقوها، ولم يتحركوا على أساسها، ولا يجب أن يتحركوا على اساسها، ولكن يجب هنا أيضا أن نقبل النقد الموضوعي لنصلح من انفسنا. وقال: ثم تأتي القضية الفلسطينية.. والربط بين المقاومة والارهاب كما تريد السياسة الإسرائيلية، وهنا أيضا سنظل نقول، ويجب أن نظل نقول، انهما امران جد مختلفين، الإرهاب والاحتلال يجب ان يقاوما، وأن يرفضا، وأن يعارضا، في اطار ما يسمح به القانون الدولي وميثاق الأممالمتحدة الذي يحمي حقوق الناس وحقوق الشعوب في مواجهة الاحتلال، وفي مواجهة ممارسات مثل ممارسات الارهاب. هذه المبالغات والاكاذيب المسمومة، وموقف جزء من الإعلام العالمي منها، ومن بثها، ومحاولة تأكيدها، يجب أن توضع تحت المجهر، وأن يتعرض لها بالتحليل هذا المؤتمر المهم، بعيدا عن الروتينيات والمكررات، وأن يتخذ من التوصيات ويطرح من الافكار ما يمكننا في مختلف مجتمعاتنا العربية من مواجهتها بالفعالية المطلوبة والواجبة.وأضاف عمرو موسى بقوله: أنا متيقظ تماما لاخطائنا، وإلى أن ماحدث ورويت بعضه الآن، لا يلام عليه كله الغير، بقدر ما نلوم أنفسنا.. وأعني بذلك مواقفنا من مجموعة التحديات التي تواجهنا، وأهمها، وياتي على رأسها، موضوع الإصلاح، اصلاح المجتمعات وتطويرها وتحديثها والتحول نحو الديمقراطية الحقيقة، وكذلك الموضوعات التي تتعلق برؤيتنا لعلاقة الدين بالاجتماع والسياسة وادارة الحكم، اضافة إلى مواجهة تحديات العولمة وتداعياتها، ليس بالاعتراض عليها وانما بترشيد الدخول إليها، كل هذه المسائل مطروحة، وقد بدأنا بالفعل في التعامل معها. وحول أداء الإعلام العربي قال موسى: «رغم كل ما يقال عن الإعلام العربي، والانتقاد الذي يوجه إليه، وبعضه صحيح، إلا أن هذا الإعلام بدأ يتجه إلى العالمية ويفهم أبعادها، فقد أصبح لدينا فضائيات تأخذ توجهاتها في الاعتبار، وصحافة رصينة موجهة للرأي العام العربي كله في مجموعه في اطار من الإيجابية والنظرة البناءة.. ولاشك أن على إعلامنا أن يأخذ في اعتباره تلك الانتقادات التي توجه إليه، وآخرها ما استمعنا عليه من الأمير خالد الفيصل، لعل هذا ما يدفع بإعلامنا العربي إلى الأمام ويمكنه من تسجيل تفوقه في موضع ومجال نستطيع فعلا التفوق فيه، وكلي ثقة، بأن أعمال مؤتمركم سوف يكون له الإسهام الكبير في النقاش الدائر حول هذه القضايا الحيوية التي تهمنا». ووجه عدد كبير من المشاركين انتقادات مشابهة للإعلام الغربي، إلا أنه كان هناك شبه إجماع على حاجة الإعلام العربي إلى إجراء عملية مراجعة شاملة للارتقاء بأدائه بحيث يصبح أداة حيوية في خدمة المصالح الاستراتيجية للمنطقة، بدلا من أن يكون وسيلة لحجب الحقيقة، حيث أشار مشاركون إلى أن الإعلام العربي فشل في التعامل بشكل يتسم بالمسؤولية مع التحديات الرئيسية التي تواجه العالمين العربي والإسلامي وواصل التعامل مع القضايا التي تواجه المنطقة بأسلوب يتسم بالعاطفية، وبعيد تماماً عن الموضوعية والشفافية. وتضمنت النقاط التي سجل إجماع بشأنها في المؤتمر الدور الحيوي الذي يمكن للإعلام أن يلعبه في تصحيح الصورة المشوهة التي تكونت لدى الغرب بشأن العرب والمسلمين، والمساهمة في الوقت نفسه في بناء وتطور وازدهار المنطقة، من خلال اعتماد نهج يتسم بالمصداقية والشفافية.