حذَّرالمتحدث الرسمي في شرطة المدينةالمنورة العقيد فهد الغنام من المخاطر الأمنية المتصاعدة في الأحياء العشوائية، التي عدها «بؤراً لتوليد الفساد وانتشار الجرائم»، مبيناً أن «جلّ قاطني الأحياء العشوائية في المملكة من مخالفي أنظمة الإقامة، أو من أصحاب السوابق»، الأمر الذي يزيد من مخاطر هذه الأحياء على باقي أحياء المدينة.وأشار العقيد الغنام ل»الشرق» إلى أن أبرز ما تعانيه الأحياء العشوائية في المنطقة هي جرائم السرقة، مؤكداً أن «الدوريات الأمنية تقف أمام تلك الجرائم بالمرصاد، حفاظاً على أمن المواطنين والمقيمين».وحول الآلية في مواجهة تلك المخاطر، أوضح الغنام أن الجهات الأمنية تستعين بدوريات الأمن السرية عند حدوث أو تكرار الجريمة داخل أحد الأحياء لكشف خفايا القضية، ومحاولة التوصل إلى الجناة والقبض عليهم، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن هناك محاربة دائمة، وعمليات تطهير لهذه الأحياء من قبل قوات الأمن على جميع المستويات وبمختلف الوسائل، سواء أكانت العمليات من تنفيذ أجهزة الجوازات أو الأمن العام أو غيرهما، لمحاولة محاصرة أي نشاط غير قانوني أو غير أخلاقي، والقبض على المجرمين. استنزاف أمني ويمثل الكثير من الأحياء السكنية العشوائية أوالشعبية خطراً في مختلف دول العالم، وتستنزف جهود الجهات الأمنية لمحاربتها أو احتوائها وتقليصها، الأمر الذي دعا عدداً من الدول إلى إنشاء مشروعات حيوية في تلك الأحياء، محاولة منها إلى تقليص دواعي الجريمة، وتضييق الخناق على المجرمين المختبئين فيها، أو بانتشال بؤر الفساد فيها، واستبدال مراكز ترفيهية أو حدائق وغيرها بها، فيما يلجأ كثير من أهالي تلك الأحياء في المملكة إلى ترك مساكنهم لمخالفي أنظمة الإقامة والعمل، أو تأجيرها للشركات والمؤسسات، كي تكون سكناً لعمالتهم. بدورها، انتقلت «الشرق» إلى عدد من الأحياء العشوائية في المدينةالمنورة لرصد الوضع الأمني فيها، حيث التقت المواطن أدهم العوفي، الذي أبدى تذمره من كثافة العمالة الوافدة والمقيمين بطريقة غير نظامية في بعض الأحياء، موضحاًَ أنهم يبدؤون بالتجمع صباح كل يوم لانتظار من يبحثون عنهم لأداء بعض الأعمال، كأعمال الدهانات، الكهرباء، السباكة، وغيرها، مشيراً إلى أن أعداد هذه العمالة الكبيرة، وتعالي أصواتهم وسط الأحياء في ساعات الصباح الأولى، تثير مخاوف الأهالي، وتجبر عدداً منهم على ترك أعمالهم لبعض الوقت بهدف الاطمئنان على سلامة ذويهم، مبدياً استياءه من عدم مراقبة الجهات الحكومية المختصة لهم، ومنعهم من التجمهر وسط الأحياء السكنية، أو حتى ترحيلهم لعدم شرعية إقامتهم.
بحاجة لاستئصال وفي السياق نفسه، لفت المواطن عبدالله كردي إلى أن الحي الذي يقطنه يحتوي على مساكن تقيم فيها عمالة وافدة، تكررت منهم عمليات السطو والسرقة لبعض المنازل في الحي خلال الأعوام الماضية، كما ارتكبوا عدداً من الجرائم غير الأخلاقية، إلى جانب افتعالهم المشاجرات وإثارة التوتر بين الأهالي، حتى اجتمع كبار الحي ورفعوا خطاباً إلى شرطة المنطقة، مطالبين بتكثيف الدوريات الأمنية في الحي لقطع الطريق على المجرمين ومثيري الفوضى، وهو ما قلل من نسبة ارتكاب المخالفات الأمنية والنظامية في تلك الأحياء. وعدّ كردي أن الأحياء العشوائية تمثل «ورماً خبيثاً» يجب استئصاله من جسد الدولة، حتى لا يؤثرعلى أمنها واستقرارها، مضيفاً أن معظم القضايا الأمنية في تلك المناطق يرتكبها المخالفون لأنظمة العمل والإقامة.
بيئة موبوءة من جهته، أوضح ل»الشرق» أستاذ الخدمة الاجتماعية المساعد في جامعة الملك سعود الدكتور عبدالعزيز الدخيل، أن الأحياء العشوائية تمثل بيئة خصبة لانتشار ترويج المخدرات وبيع المحرمات لعدة أسباب، أبرزها كثرة العمالة الوافدة المقيمة فيها، والتي يهدف أكثرها للكسب المادي فقط، دون النظر إلى أخلاقيات وأمن المجتمع، إضافة إلى طبيعة تلك الأحياء، حيث يجد مروجو الأفلام الإباحية والمخدرات والمسكرات، أماكن مناسبة لممارسة أعمالهم بحرِّية، مع غياب الرقابة الكافية، مشدداًَ على أهمية تكثيف الدور الأمني ودور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للقضاء على تلك الأوكار، ومطالباً بمخاطبة السفارات والقنصليات الأجنبية في المملكة على ضرورة توعية جالياتهم، التي ينتمي إليها نسبة كبيرة من ساكني الأحياء العشوائية.
قنابل موقوتة وأكد الدخيل أن تلك العمالة الوافدة بتلك الأحياء العشوائية تؤثر تدريجياً على أهالي الحي من المواطنين وأبنائهم، نظراً لأن أغلبهم من الطبقات الفقيرة أو من ذوي الدخل المحدود، مما يجعل العشوائيات بؤرة فساد أو قنبلة موقوتة ستنفجر حال إهمالها وعدم نزع فتيلها بالقضاء عليها، أو إعادة تنظيمها حتى تصبح أحياء أنموذجية، مؤكداً أن هناك اهتماماً كبيراً من الجهات المختصة في الدولة بتنقية هذه الأحياء وترتيب وضعها، حتى تعكس الواقع الاجتماعي والحضاري والاقتصادي للمملكة.
مشروعات الأمانة وكانت أمانة المدينةالمنورة قد أوضحت في تقرير لها صدر قبل نحو عامين، أنها وضعت خطة لتطوير 28 منطقة عشوائية تقدر مساحتها الإجمالية بنحو ألفين و844 هكتاراً، فيما تمثل ما نسبته %42 من مساحة الكتلة العمرانية في المنطقة، في محاولة للحد من انتشارها، وتم البدء في تنفيذ الخطة من قبل وكالة المشروعات والتعمير للقضاء على هذه العشوائيات، التي برزت لعدة عوامل، من أهمها زيادة أعداد السكان في ظل ارتفاع معدلات الهجرة من القرى، وزيادة عدد الحجاج والزوار، والامتداد العشوائي دون ضوابط عمرانية وأنظمة بناء محددة، وعدم وجود مخططات منظمة أو تصور تخطيطي شامل للمنطقة، مما أدى إلى نقص الخدمات والمرافق، وصعوبة تأمينها، بالإضافة إلى امتداد العشوائيات التي ترتكز في المنطقة الواقعة ما بين الطريق الدائري الأول والثاني، إذ تفتقر تلك المنطقة إلى التنسيق المعماري مع غياب النمو العمراني للواجهات، وضعف مستوى الصيانة، وتهالك الهيكل العمراني.
ملف العشوائيات وأبان مختصّ في مجال تطوير المناطق العشوائية في المدينةالمنورة ل»الشرق» أن ملف تطوير المناطق العشوائية ضاع بين الأمانة وهيئة تطوير المدينةالمنورة، مشيراً إلى أن استلام الأمانة للملف منذ سنوات طويلة وصلت إلى 35 عاماً لم يجدِ نفعاً، ولم يتغير وضع تلك العشوائيات بل زادت معدلات الجريمة، وانتشرت العمالة الوافدة والمخالفة لأنظمة الإقامة والعمل، الذين يعدون تلك الأحياء مأوى لهم بعيداً عن أعين الرقابة.وأوضح المتخصص، الذي فضَّل عدم الكشف عن اسمه، أن هيئة تطوير المدينةالمنورة بعد استقلالها عن هيئة تطوير مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة والمشاعر المقدسة تسلمت ملف تطوير العشوائيات، لكنها لم تفعل دورها بالشكل المطلوب حتى الآن، حيث تفرغت للمنطقة المركزية المحيطة بالمسجد النبوي الشريف قبل بقية أحياء ومناطق المدينةالمنورة.
تدافع المسؤولية من جانبه، أكد مدير العلاقات العامة في هيئة تطوير المدينةالمنورة محمد سرور أن تطوير الأحياء العشوائية يعُد ضمن اختصاصات أمانة المدينةالمنورة باستثناء بعض المشروعات الحيوية التي تشرف عليها الهيئة «وليس من ضمنها الأحياء العشوائية»، موضحاً في الوقت نفسه أن الهيئة مختصة بالمناطق المحيطة بالمسجد النبوي الشريف والمناطق الداخلة ضمن نطاق الطريق الدائري الثاني. وعلى الصعيد ذاته أجرت «الشرق» العديد من الاتصالات الهاتفية المتكررة لأكثر من سبعة أيام بالناطق الإعلامي في أمانة المدينةالمنورة المهندس عايد البليهشي إلا أن هذه المحاولات لم تجد تجاوباً.