عشية اندلاع الثورة السورية، بدا المشهد التشكيلي السوري في أحسن حالاته، نشاط متزايد في حركة المعارض، وافتتاح صالات عرض جديدة، وأسعار للوحة السورية لم تشهدها من قبل. لكن تلك الصورة تغيرت بشكل كلي، إذ انشغل الفنانون بما يجري في بلدهم، وفرضت الثورة نفسها كموضوع أثير لدى كثير من الفنانين، ولكن في الأشهر الأخير يبدو أن الوضع تغير، حيث لم يعد الفنان قادراً على الخروج من بيته إلى المرسم. كان المشهد منتعشاً ومبشراً، خصوصاً بعد الاهتمام العالمي المتزايد بالفن التشكيلي في الشرق الأوسط، الذي تمثل بإطلاق مزادات في دبيوبيروت لكبرى شركات المزاد وكبار المقتنين العالميين. وفي ضوء ذلك نشأت صالات عرض سورية أقامت معارض احترافية وأطلقت مطبوعات مميزة ووقعت للمرة الأولى في سوريا عقود احتكار مع فنانين من أجيال مختلفة. لكن كل ذلك على ما يبدو انطفأ دفعة واحدة إثر اندلاع الثورة. خالد سماوي، المصرفي السابق الذي أطلق غاليري “أيام”، وأنشأ له فروعاً في بيروتودبيوالقاهرة، فكانت الشرارة التي حركت المياه الراكدة، قال لوكالة فرانس برس “سوق الفن مثله مثل أي اقتصاد آخر. سوق اللوحة مثل سوق السيارات مثلاً، لابد أن يتأثر بالوضع العام للبلد”. وأوضح “نحن منذ سنة ونصف لم نبع لوحة واحدة”. وأضاف “أما في القاهرة فقد أغلقنا صالتنا هناك فور اندلاع الثورة، ولم نعد إليها خشية عدم الاستقرار”. وقال سماوي “وفي بيروت فإن الوضع يتأثر بقوة بما يجري في دمشق، في النهاية إذا سعلت دمشق فإن بيروت ستصاب حتماً بالإنفلونزا”. وأوضح “لذلك فإننا لم نعد نبيع لا في سوريا ولا في لبنان”. لكن سماوي أشار إلى أن “اللوحة السورية في الخارج لم يفرق بيعها عما قبل، فدبي هي أحسن سوق للفن العربي”. وخالد سماوي انتقل هو نفسه من دمشق إلى دبي ليقيم فيها مع عائلته، ولدى سؤاله إن كان ذلك بأثر الأحداث الجارية قال: بالتأكيد، الأولوية هي سلامة العائلة، عائلتي وعائلة “أيام”، فقد انتقل معي بعض فناني “أيام”، وأفكر الآن في نقل غاليري “أيام” دمشق إلى بيروت. وقال سماوي “هناك أهمية متزايدة في الخارج للوحة السورية، فهم يريدون أن يروا ماذا يرسم الفنان السوري، وكيف يعيش التجربة”. وأضاف “أنا أتعلم من فناني سوريا اليوم كيف يترجمون مشاعرهم. هناك نوع من لغز في هذه الأعمال. الفنان السوري يعيش تجربة استثنائية، فلم يحدث في العالم أن يحيا فنان ويرى كيف تقصفه طائرات بلده”. ووصف سماوي “الإبداع الذي يأتي اليوم من سوريا أهم بكثير من ذي قبل، هناك طاقة هائلة للتعبير لدى الفنان اليوم تنفجر في اللوحة، كذلك هناك جرأة، ولا أظن أن الفنان السوري مازال خائفاً كما كان من قبل”. ويتحسر سماوي “لكن الفنان السوري لم يعد قادراً على الإنتاج في الأشهر الأخيرة، فهو لا يستطيع أن يغادر بيته إلى مرسمه بسبب هذه الظروف في سوريا”. ولدى سؤاله إن كانت السياسة ستترك أثراً سلبياً في أعمال الفنانين السوريين قال “السياسة أعطتها غنى، فباتت أعمال الفنانين توثيق بصري لما يجري”. الفنان التشكيلي السوري وصاحب غاليري “عشتار” عصام درويش قال “اليوم، لا أحد يسأل عن اللوحة السورية، ويبدو أن اللوحة آخر هم الناس”. وأكد بخصوص تأثر الفنانين وتوجهاتهم بأحداث الثورة “فنانون كثر يعملون في مراسمهم، وبعضهم يعرض لوحاته على الفيسبوك، لكن عدا عن ذلك ليس هناك عرض، ولا توثيق للأعمال”. أ ف ب | دمشق