تعتبر إيران من الدول المعقدة في تركيبتها، فعندما ينظر المرء إلى التفاصيل يدرك لماذا لا يزال نظامها قائما رغم كل المعوقات. فأحد أسرار بقاء هذا النظام إنما يعتمد على تعقيده، والتعامل مع إيران يفرض علينا أن ندرس حالتها بشكل عميق، وأن نبدأ ذلك بأبسط المسلّمات. لن نخوض في التعقيد الإيراني في هذه الخاطرة، وإنما سنعرض لثلاث مسلّمات يجب أخذها بعين الاعتبار في أي من الحسابات عند التعامل مع إيران كعرب. أولاً: إن الإسلاميين والقوميين الإيرانيين مشكلة للجانب العربي، فلا هذا يتوافق معهم ولا ذاك، وعليه فإن مجرد تغيير النظام الإيراني قد لا يغيّر بالضرورة طبيعة السياسة الإيرانية في المنطقة ولا سيما تجاه العالم العربي والخليج تحديدا. فهناك احتمال كبير أن تعيد السياسات الإيرانية الحالية إنتاج نفسها، بدليل أنّ إيران «الإسلامية» لم تغيّر من سياساتها الاستعلائية التوسعية في الخليج والعالم العربي، بل على العكس أصبحت أكثر تشددا، ولعل اتهام النظام الإيراني الحالي للشاه بالخيانة وبتخليه عن البحرين كما يقولون خير دليل على كلامنا. وزاد عن ما سبق قدرة إيران على استثمار العامل الطائفي الذي لم يكن الشاه قادرا على توظيفه في العالم العربي وهو ما خلق شروخا اجتماعية عميقة في العالم العربي تهدد الدولة والمجتمع. ثانيا: الاعتماد على الولاياتالمتحدة من أجل مواجهة أو الحد من الخطر الإيراني سياسة كارثية، لأن التاريخ أثبت أنّ واشنطن لا تكترث لحلفائها عندما ترجح كفّة مصالحها، فهي تتخلّى عنهم في اللحظات الحرجة، ناهيك عن أنّ وضع الولاياتالمتحدة حاليا لا يخوّلها الدفاع عن حلفائها، ولعل اعتداء كوريا الشمالية على كوريا الجنوبية حليفة واشنطن، وعدم قدرة الأخيرة على رد العدوان خير مثال على كلامنا هذا. ثالثا: الخطر الإيراني لا يقاس بطريقة تقليدية لأن الخطر نفسه ليس تقليدا ولا يستخدم أساليب تقليدية كحشد جيوش وتوجيه صواريخ، فهذا جانب قد يظهر فيما بعد، وهو الجانب الأضعف في السياسة الإيرانية لأنها لا تمتلك مقومات المواجهة المباشرة، أما الجانب القوي فهو التهديد غير المباشر، غير المرئي، غير المحسوس أو الملموس الذي يعمل من داخل المجتمع نفسه في المنطقة المستهدفة وباستخدام بعض أبنائها كأوراق أو كأذرع.وعادة ما يخضع مفهوم الخطر الإيراني في العالم العربي وعلى الخليج تحديدا إما إلى تهويل يقوّض من حقيقته ويعطّل من هدف التحذير من الخطر نفسه، وإما إلى تهوين يعطّل الدفاعات الذاتية التي تعمل كالمناعة ويسمح للفايروس الإيراني بالتغلغل داخل الجسد العربي دون أية عقبات لا بل باستعمال بعض العرب أنفسهم أدوات لتحقيق ذلك. وعليه فإن تحديد المشروع الإيراني وأدواته ووسائل تحقيقه بشكل موضوعي إنما يعبر عن مدى الخطر الحقيقي للسياسة الإيرانية ويهيئ الأرضية اللازمة لمواجهة هذا المشروع بطريقة صحيحة.