لا بدّ أن العالم العربي قد شكّل نظرته إلى إيران خلال العقود الثلاثة الأخيرة، كما أنه لا شك قد شكّل لنفسه صورة يتمنى أن يرى إيران عليها. وفي سبيل تحليل الصورة الراهنة لإيران عند العالم العربي، أظن أنه تجب الإشارة إلى أن العالم العربي يجمع على صورة لإيران ولكنه يختلف باختلاف بعض دوله في نظرتهم إلى إيران. فإيران الشاه كانت حليفة لواشنطن وصديقة لإسرائيل، وكان ذلك مدعاة للتوتر مع مصر الناصرية، بينما كان من القواسم المشتركة مع مصر السادات. وكانت إيران أيام الشاه سبباً للمواجهات مع العراق في ظل حكم صدام حسين مثلما كانت إيران ايام الثورة وذلك لاختلاف العوامل الحاكمة للعلاقات بين البلدين الجارين. أما علاقة إيران الشاه بدول الخليج فهي متفاوتة أيضاً ولكنها على العموم مستقرة بعد استقلال البحرين عام 1971، ولكن إيران في ظل الشاه كما إيران اليوم ما تزال تصر على تبعية جزر الإمارات الثلاث لها، مع استمرار العلاقات السياسية والتجارية بين البلدين. غير أن إيران الثورة اكتسبت صوراً متعددة في العالم العربي خلال العقود الثلاثة الماضية. الصورة الأولى أنها السند لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين بينما هي المناهض للمقاومة العراقية إلا بالقدر الذي تكون فيه هذه المقاومة مفيدة للضغط على واشنطن، ولذلك اكتسبت إيران شعبية كبيرة من هذا الباب عند الشعوب العربية. الصورة الثانية هي صورة إيران التي تتحدى واشنطن وإسرائيل مما أضاف إلى شعبيتها في الشارع العربي خصوصاً عندما تشعر هذه الشعوب أن أوباما يتودد إلى إيران ويبدو وكأنه هو الذي قبل بالموقف الإيراني بدلا من الالتقاء معه في وسط الطريق. الصورة الثالثة هي صورة إيران التي تخطط للهيمنة السياسية على العالم العربي، وهي الصورة التي ترسمها بعض الحكومات العربية التي تروّج أن إيران هي التي تثير الفتنة والانقسام بين محوري الاعتدال والتطرف في المنطقة، وإذا توقفت عن تغذية التطرف، فإن تيار الاعتدال هو الذي سينتصر، ويقصد بالتطرف المقاومة، والتحالف مع سورية وانتزاعها من حضنها العربي، من دون أن تلحظ هذه الحكومات تطور التحالف السوري الإيراني وخيارات سورية الصعبة بعد السلام المصري الإسرائيلي، ثم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وسوف يزداد الخيار صعوبة إذا تصالحت إيران مع واشنطن وبقيت سورية على مسافة أبعد من عتبات الوفاق مع واشنطن. الصورة الرابعة هي التي تظهر إيران بمظهر الدولة التي تسعى إلى نشر التشيّع في العالم العربي، والمقصود به هو الولاء لزعيم الثورة الإيرانية على حساب الولاءات الوطنية، وليس مجرد الانتقال من مذهب ديني إلى مذهب آخر. وقد بلغ هذا البعد مبلغ القلق والتحذير من مصر مثلاً ولكنه وصل إلى حد القطيعة الديبلوماسية بين إيران والمملكة المغربية، بينما استقر عند حدّ التوجس من التيارات السياسية المقترنة بوضع إيران كما هي الحال مع تونس. صحيح أن الصراع الإيراني الأميركي وارتفاع حدة الهجوم على إسرائيل من جانب الرئيس محمود أحمدي نجاد لهما علاقة بالموقف العربي العام من إيران، لكن من الصعب أن نطمئن من دون تحليل إلى هذه المقولة، لأن لسلوك إيران أيضاً اثراً على رسم صورتها في العالم العربي. ولكن تظل الصورة الشعبية لإيران واضحة في العالم العربي خصوصاً مع عجز إسرائيل عن النيل من لبنان في حرب تموز 2006 مع «حزب الله»، أو من غزة في الحرب الاخيرة مع حركة «حماس»، ولذلك فإن معظم الشعوب العربية شعرت أن دعم إيران لحركات المقاومة هو أحد أسباب التوتر الرسمي معها، وأشك أن هذه الشعوب قد فهمت معنى قول الأمير سعود الفيصل لوزير خارجية إيران بأن العالم العربي يقدّر لإيران مساندتها، ولكنه يرى أن تكون المساندة عن طريق البوابة الرسمية. ومعلوم أن العجز عن مواجهة إسرائيل وإصرار الشعب الفلسطيني على انتزاع حقوقه هو الذي فتح الباب امام ظهور المقاومة، ومنح الفرصة لظهور إيران. خلاصة ما تقدم أن العالم العربي على المستوى الشعبي يريد أن تكون إيران على صورة تختلف قليلاً عن التي تريدها الانظمة. فالشعوب خارج منطقة الخليج تنظر إلى ملف إيران النووي على أنه المعادل لملف إسرائيل، بينما يشعر الخليج بشعوبه وحكوماته أن الملف الإيراني والإسرائيلي معاً خطران على المنطقة ولا فرق بين هذا وذلك، بل ترى بعض الانظمة العربية أن الملف الإيراني هدفه تحقيق هيمنة سياسية لإيران على العالم العربي ولا علاقة له بالصراع مع إسرائيل فضلاً عن المخاوف البيئية. ولكن العالم العربي كله، حكومات وشعوباً، يريد توافقاً إيرانياً أميركياً لكن ليس على حساب المصالح العربية ولا يتمنى مواجهة عسكرية مع إيران، كما يرفض أن يكون أداة لواشنطن في صراعها مع طهران. وأخيراً يريد العالم العربي مجتمعاً أن تجد إيران في العراق الموحد العربي مصلحة لها وليس خطراً على أمنها، كما لا يتسامح العالم العربي في أن تقفز الأقليات الشيعية فوق الولاء لأوطانها العربية لأي سبب أو ذريعة، مثلما يساند العالم العربي حق الإمارات العربية المتحدة في جزرها المحتلة، ويريد صورة إيران على هذا النحو وأن يتم الحوار معها على هذه القواسم. لسنا بحاجة إلى تعداد المكاسب التي تعود على العالم العربي من الحوار مع إيران، وأن الحكم مبدئياً باستبعادها من دائرة الحوار تحت أي ذريعة سوف يضر بالمصالح العربية. غير أن الحوار يتطلب أمرين حتى يثمر ويحقق أهدافه: الأمر الأول أن تكون لدى العالم العربي الأوراق اللازمة حتي يكون نِداً للحوار وأن تكون لديه سلة من التصورات التي تصلح للحوار، وليس مجموعة من الشروط التي تجهض أي حوار، فضلاً عن أن الرغبة في الحوار والحاجة إليه يجب أن تكونا خيار الطرفين. * كاتب مصري