كارثة الفساد أنه من الصعب إدانته وتقدير مدى تفشيه؛ لقدرة الفاسدين على التخفي للابتعاد عن المساءلة، وهذا أمر طبيعي في معجم الفساد، ولكن هذا يدعو إلى استخدام الأدلة غير المباشرة في قياس الفساد بأنواعه المالي والإداري والاقتصادي، من خلال مقارنة واقع البنية التحتية بالمخصصات وتأسيس مراكز لاستطلاعات الرأي؛ لتعطي مؤشرا على حجمه ومقدار تغلغله في أروقة القطاعين العام والخاص وأثره على التنمية، وبالتالي انكشاف الفساد على نفسه، ومن ثم ترسم خطط المكافحة. الفساد لا يقف عند الحصول على منافع فردية على حساب الوطن ومواطني الحاضر والمستقبل فحسب، بل يتعدى ذلك لتعطيل التنمية وإبطالها كما تشير بعض التقارير الدولية، وهذا يدعو إلى تطويق الفساد من خلال إعداد أنظمة رقابة ميدانية ومالية للمشاريع التي نفذت، وكذلك للمشاريع التي لم تنفذ والتحقيق في أسباب عدم تنفيذ المشاريع، والتي وصلت إلى أربعة آلاف مشروع كما أوضح رئيس ديوان المراقبة العامة، فربما ذلك يكشف عن شبكات فساد يقوم من خلالها متنفعي القطاع العام بإعطاء عقود لمقاولين وموردين أعلى من طاقتهم التشغيلية، وبالتالي عدم الالتزام بمواعيد انتهاء التنفيذ، ومن ثم عند التنفيذ الاكتفاء بالحد الأدنى المرئي من واقع المشاريع. الجامعات الوطنية مطالبة بدور فاعل في الحرب على الفساد، فدور الجامعات من وجهة نظري ليس تعليم الطلاب علوما أكاديمية ألفت قبل عقود من الزمن، بل تأهيل مخرجات التعليم بما يفيدهم علميا وعمليا وفكرياً، وتوظيف جهود أعضاء هيئة التدريس في إعداد بحوث ودراسات حسب متطلبات التنمية وتنقل العلم خطوة للأمام، وما يهم الآن هو إعداد دراسات حسب متطلبات التنمية، فالمطلوب وخاصة من كليات العلوم السياسية والإدارية إعداد دراسات أكاديمية عن الفساد في واقعنا المحلي وتطور أدواته وطرقه حول العالم؛ حتى يرتقي دور أجهزة الرقابة المالية والإدارية لمستوى الفساد وتنكشف مجازر الفساد في حق البنية التحتية، وفي نفس الوقت تنجح جامعاتنا الوطنية في اقتراح مؤشر وطني لقياس الفساد ليكون مثل هذا المؤشر بمثابة ضربة استباقية لمعاقل الفساد قبل تفشيه ويصبح من الصعب السيطرة عليه. حول العالم تجارب فريدة في مكافحة الفساد، وبعضها ظهر تقييم الوطن فيها متدنيا كمؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، والذي أظهر المؤشر تقييمنا 3.5 10 في العام 2008، و5.4 10 في العام 2009، والحقيقة أن تلك الأرقام تعطي مؤشرا سلبيا وإيجابيا في الوقت نفسه، فالسلبي أننا انتصفنا تقريبا في الحرب على الفساد، والإيجابي أننا أحرزنا تقدما مقداره 35 في المائة بين العام 2008 والعام 2009 في مكافحة الفساد. يوجد العديد من المؤشرات الدولية الأخرى المتخصصة في قياس الفساد، والتي لا بديل عن الانضمام إليها لقراءة واقع الفساد لدينا، منها: مؤشر دفع الرشوة، والباروميتر العالمي للفساد الذي يقوم على استطلاع جمهور الناس من غير الخبراء ورجال الأعمال، فمثل هذه المقاييس تساهم في رفع الجاهزية للحرب على الفساد، واجتثاث الإرهاب التنموي الذي يعطل المشاريع، ويفسد الجهود، ويجعل مصلحة حفنة من البشر ذات قداسة على حساب الوطن والأجيال القادمة، فماذا أنتم فاعلون؟. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 246 مسافة ثم الرسالة