عبدالله علي المسيان منذ أن وطئت السيارة أرض المملكة قبل عشرات السنين والسائقون السعوديون منذ آنذاك وإلى الآن بقوا على إصرارهم العجيب في قيادة السيارة بشكلٍ فوضوي، وارتكاب أشكال عديدة من المخالفات والتجاوزات والأخطاء بشكلٍ يومي، يتوارثون ذلك جيلاً بعد جيل، ضاربين بكل القواعد المرورية والأخلاق والذوق العام عرض الحائط، رافضين التوقف يوماً ما عن هذا المسار الخاطئ، والانصياع لصوت العقل والحكمة الداخلي أو الخارجي، أو الانصياع للعقوبات المترتبة على ارتكاب المخالفات المرورية كالغرامة المالية، أو ربما الإيقاع في السجن في مرحلة لاحقة، كما أن هؤلاء السائقين غير مبالين إطلاقاً بما يمكن أن تنتجه هذه القيادة الفوضوية المتهوّرة من نتائج سلبية، وربما خسائر في الأرواح البشرية والممتلكات المادية، ولهذا تجدهم يصرون على البقاء على هذا النمط العبثي في قيادة السيارات، بالرغم من إدراكهم التام لخطورة هذا النمط القيادي من خلال ما يشاهدونه ويسمعونه من حوادث مرورية مفجعة، يذهب ضحيتها يومياً العشرات والعشرات من هنا وهناك وربما تطالهم في يومٍ ما. فلا يمكن أن يمر يوم واحد في أي شارعٍ من شوارع المملكة من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى وسطها إلى غربها، دون أن ترى كماً هائلاً من الأخطاء والتجاوزات الفادحة، كقطع الإشارة والسرعة الجنونية والوقوف الخاطئ واللف دون إعطاء إشارة والوقوف في المسار الأيمن والتجاوز من اليمين، وخلافها من الأخطاء والتجاوزات التي لايمكن تحت أي شعار استمرارها أو القبول بها، ولابدّ من تدخل حكومي وخاص لوضع حد لهذا الفلتان المروري. ولا يمكن لنا في هذا الصدد أن ننكر الجهود الكبرى التي بذلتها المديرية العامة للمرور طوال السنوات الماضية في سبيل الحدّ من الحوادث المرورية، وضبط الحركة المرورية، ومحاولة إيجاد حلول جادة للقضاء على جميع أشكال القيادة الفوضوية، عبر قيامها باتخاذ سلسلة من القرارات الجريئة والإجراءات الحازمة، وأخرها وليس آخراً إقرار نظام “ساهر”، ولكن مع الأسف لا حياة لمن تنادي، على اعتبار أن تركيبة الإنسان السعودي نشأت دوماً على كره تطبيق النظام في أي مجال، والتلذذ دوماً باختراقه والقفز عليه، مما أدّى إلى بقاء أغلب السائقين السعوديين على نفس المنوال في رفض القيادة الآمنة والجنوح الدائم والعشق الأبدي للقيادة الفوضوية. وحبذا لو استفاد الشعب السعودي من تجارب الشعوب الأخرى في قيادة السيارات، من اليابان إلى أوروبا إلى أمريكا وكندا، الذين يقدمون لنا دروساً مجانية في كيفية القيادة الآمنة، والالتزام الكامل بالنظام المروري واحترامه وعدم تجاوزه أو اختراقه لأي سببٍ كان، ولذا تجد نسبة الحوادث المرورية لديهم منخفضةً جداً مقارنةً مع النسبة المرتفعة لدينا، وكل هذا عائد بالدرجة الأولى إلى “الوعي الذاتي” الذي يفتقده السائقون لدينا بالرغم من كونه الخطوة الأولى في طريق صنع قيادة آمنة غير فوضوية ولا متهوّرة. بل حتى السائقين المقيمين، سواءً الذين يأتون إلينا من دول شرق آسيا أو من الدول العربية، عندما أتوا إلينا وشاهدوا طريقة القيادة لدينا التي تميل إلى الفوضوية طبعاً ومحاولة كسر النظام بأي طريقةٍ كانت، وعدم التقيد بقواعد المرور، أصبحوا هم أيضاً مع الأسف الشديد يسايروننا ويحاكوننا في ذلك، وبئست تلك المسايرة والمحاكاة. ويجب على المديرية العامة للمرور أن تستكمل خطواتها التي بدأتها منذ سنوات طويلة، والهادفة إلى تنظيم الحركة المرورية في البلد من خلال اتخاذ سلة متكاملة من الخطوات الإضافية، ومنها على سبيل المثال: سحب الرخصة فوراً من السائقين المخالفين ومنعهم من القيادة حتى يتمكن من نيل رخصة جديدة. الإبقاء على نظام ساهر وتعميمه على كل الطرق والشوارع وعلى كل الجوانب المرورية وألا يقتصر على قطع الإشارة أو السرعة. إحداث تغيير جذري في إجراءات الحصول على الرخصة، بحيث لا يحصل عليها إلا من يستحقها. عدم السماح لأي سائق كائنا من كان من القيادة في حالة عدم امتلاكه لرخصة قيادة. استحداث منهج جديد في كل المراحل التعليمية تحت اسم “الثقافة المرورية”، لينشأ أبناؤنا على احترام النظام منذ الصغر مع مراعاة المرحلة والفئة العمرية عند صياغة المقرر. قيام وسائل الإعلام كافة، ومؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الوطنية بدورها المناط بها في توعية الجمهور بأهمية اتباع النظام في القيادة، وخطورة اتباع القيادة الفوضوية وما يمكن أن تجره من ويلات وحسرات. حث رجال الأعمال على إنشاء معاهد خاصة لتعليم وتدريب السائقين، لاسيما الشباب منهم على قيادة السيارات بشكلٍ منهجي نظرياً وتطبيقياً بمبالغ مادية يتم استقطاعها منهم عبر مجموعة من السائقين المتخصصين في مجال قيادة السيارات ويتمّ استقطابهم من الدول المشهود لهم بالقيادة الآمنة. ونحن إذ نطرح هذه السلة المتكاملة من الاقتراحات نتمنى على الجهات المختصة وعلى رأسها المديرية العامة للمرور أن تتلقفها وتحاول تطبيقها على الأرض بشكلٍ كاملٍ أو جزئيٍ كحد أدنى، مع عدم إغفال ضرورة توفر الوعي الذاتي لدى السائقين حتى نستطيع التوصل في النهاية إلى حل ربما نستطيع من خلاله لاحقاً القضاء أو الإقلال من القيادة الفوضوية.