ارتبط سوق عكاظ في نسخته الجديدة بصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة الذي صاغ للسوق هوية ثرية احتوت الماضي بكل عراقته والحاضر بازدهاره والمستقبل بإشراقاته وتجلت الرؤية بوضوح في حرص سموه على أن تتسع قاعدة نشاط السوق ليشمل فعاليات تنتقل به من مجرد حدث سنوي يعيش فيه المهتمون إرهاصات الماضي إلى منبر ثقافي وعلمي يغزو كل مناحي المعرفة والتطور التقني الذي يعيشه العالم اليوم وإذا كان مخاض ولادة السوق بعد أكثر من 1300 عام لم يكن سهلا، إلا أن العزيمة التي أبداها المثقفون والمؤرخون في المملكة والحماس الذي قاده معالي محافظ الطائف الأستاذ فهد بن معمر قد أعاد السوق إلى حيز الوجود، فلم تكن الجهود التي بدأت عام 1408 خالية من عقبات كأداء كادت أن تثني كل رغبة في إعادة الحياة إلى هذا المنبر الثقافي والاقتصادي العريق، وأذكر هنا الخطوة الجريئة التي قامت بها جريدة عكاظ عندما نظمت احتفالا في موقع السوق رعاه صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبدالمحسن نائب أمير منطقة مكةالمكرمة آنذاك وإن كان الغطاء الذي أقيمت تحته الفعالية لا يمت إلى فكرة إعادة عكاظ إلى الساحة الثقافية، بل كانت مجرد فعالية لتأكيد ارتباط اسم الصحيفة بالسوق. ولعل أبرز الخطوات العملية لإعادة السوق تلك الخطوة التي وافق عليها صاحب السمو الملكي الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز أميرمنطقة مكةالمكرمة يرحمه الله عندما طلب معالي محافظ الطائف أن تتولى لجنة التنشيط السياحي زمام المبادرة في إقامة أول مهرجان ثقافي وتراثي في موقع السوق. وأمام قلة الإمكانيات لم يكن أمام معالي المحافظ واللجنة المنظمة إلا اختيار مقر المعسكر العربي لرعاية الشباب الذي يحتل الجهة الشمالية الشرقية من الموقع لإقامة أول احتفال بإعادة الروح لسوق عكاظ وعاش المثقفون والسياح في صيف عام 1428ه في أجواء احتفالية مبهرة حيث أقيمت عديد من الفعاليات المتنوعة التي شملت أنشطة ثقافية منبرية في قبة النابغة وخيمة الخنساء وعروضا متعددة للتراث والفن الشعبي وملحمة شعرية بمشاركة فنانين من أربع دول عربية وحظي السوق حينها بمشاركة واسعة من القطاع الحكومي والاهلي من داخل المحافظة وخارجها .. ولعل مما بعث على الدهشة لدى الكثيرين ان من اسهم في انطلاقة اول مهرجان لسوق عكاظ كانت شركة سعودية لتنظيم المناسبات تقودها ثلاث نساء سعوديات هن الدكتورة هند باغفار ، والدكتورة هالة الشاعر ، والاستاذة وفاء عبد الجواد واستطعن من خلال تشربهن فكرة احياء السوق وبما يملكن من مخزون ثقافي وأدبي وقدرة فائقة على القيادة والتنظيم على تحقيق نجاح لم يكن متوقعا. كان المتابعون يشككون في قدرة العنصر النسائي على أداء هذه المهمة التي أقل ما يقال عنها إنها عصية على بعض الرجال ففترة الإعداد والتجهيز لم تتجاوز الشهرين ، ولكن تلك الانطلاقة لاتزال الى اليوم عالقة في اذهان الكثيرين بما احتوت عليه من قدرة على الابداع والأصالة. صحيح أن العمل لم يكن له ليخرج إلى حيز الوجود لولا الفريق المتناغم الذي وضع اللبنات الأولى لهذا الحدث الفريد بقيادة معالي محافظ الطائف، إلا أن تشريف صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل وتسجيل إعجابه بما شاهده كان الدافع للمزيد من العمل لإخراج السوق في دوراته الخمس التالية بكل تألق واقتدار. وما هي إلا أيام معدودات وينطلق السوق في دورته السادسة التي يؤكد كثيرون أنها ستكون إضافة جديدة وثرية إلى الدورات السابقة، خصوصا وأن المسرح الجديد الذي تم تشييده مؤخرا والتجديد المستمر في الجادة وتعيين إدارة تتولى تنظيم شؤون السوق بقيادة الدكتور راشد الغامدي، كل ذلك تم في فترة وجيزة وحظي بإشراف متواصل من اللجنة الإشرافية العليا برئاسة صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكةالمكرمة وبمتابعة من معالي محافظ الطائف رئيس اللجنة التنفيذية للسوق. نتمنى أن يظل السوق علامة بارزة على الساحة الثقافية ليس في المملكة فقط بل على امتداد وطننا العربي والإسلامي الكبير وأن نستمتع كل عام بمزيد من الفعاليات الناجحة والمتنوعة.