جازان – أمل مدربا أبو القاسم: نظرة المجتمع الإيجابية تكمن في ردع حالات الشذوذ التي لا يقبل بها ديننا ولا تناصرها قيمنا. الزهراني : كلام الناس أصبح ذا قدسية ومرجعية لكثيرين .. وهاجساً يحاولون إرضاءه بأي وسيلة. تداول الناس قديما وحديثا الحكمة التي تقول إن «رضا الناس غاية لا تدرك»، إلا أن الواقع يحكي مناقضات لها، حتى في عصر التطور والتقدم التكنولوجي الواسع، فما أن يكبر الفرد قليلا، حتى يجد جملة «وش تبي يقول الناس عنا» هاجسا يحاول الانسجام معه في سبيل «التماشي» مع واقع أصبح عقبة أمام أحلامه وطموحاته المستقبلية، وحتى حياته التي يعيشها، فيراعي ما سيقوله الناس عنه قبل أن يقدم على شيء، وقد يبتعد عن أمور هي في صالحه، في سبيلها، مُشكّلة زوبعة من الهموم القابعة أمامه، في حين أكد اختصاصيون نفسيون واجتماعيون أن تتبع كلام الناس يقود إلى فشل المجتمعات، ويمثل هاوية السقوط، لما له من انعكاسات سلبية وخطيرة على المجتمع، كانت العنوسة والشذوذ أحد أسبابها. «الشرق» استطلعت آراء المجتمع حول ذلك، ومدى ارتباطهم بغيرهم في اتخاذ قراراتهم، ومراعاتهم ل»كلام الناس». قبيلة وحسب تحكي «خديجة خالد» قصتها المؤلمة بكل أسى، قائلة «رفض أخي زواجي من رجل متدين، يحمل شيمة الوقار لأنه غير قبلي، وليست لديه مناصب مرتفعة، ولا وجاهة يتباهى بها، وزوجني من رجل مزواج لا يحافظ على صلاته، ولا دينه، بذيء الخلق، رضيه لي من أجل منصبه و قبيلته، التي رأوا أنها تشرفهم أمام الناس، وتزيد من تباهيهم بها، إرضاءً ل»كلام الناس»، قتل رغبتي في حياة كريمة، حتى لا يسمع ما يسوؤه من الناس، رضي بأن يرميني في جحر ذاك العذاب حتى بعد أن تزوج زوجي من أخرى غيري، ومن جنسية عربية، بطريقة غير مشروعة وألحق طفلها بي، ورغم أن أخي رجل متعلم،جامعي، ويعرف مقدار الظلم الواقع عليّ، إلا أنه رفض خلاصي من ذلك الرجل لخوفه من كلام الناس». و بينت «سعاد علي» أنها هي وأخواتها الخمس التي تبلغ أصغرهن عمر 25 عاما لم تتزوج أي واحدة منهن لعدم قبول أبيها بجميع من تقدم لهن رغم أنهم على درجة كبيرة من الدين والخلق، وكثيرا ما ردد على مسمعها أنه لا يريد أن يقع في ما وقع فيه أخوه الأكبر الذي زوج ابنته الكبرى لرجل من غير قبيلته، ولا يحمل نسبا يباهي به، وحين لم يتحمل كلام الناس عنه، قام برفع دعوى طلاق عليه، وحبس ابنته عنده حتى طلقت، دون بأس سوى كلام الناس. طرفة المجلس تقول سارة حمود «أنا لا أستمع لكلام الناس أبدا وإن ترددت قليلا في بعض المواقف إلا أنني لا ألبث أن أضرب به عرض الحائط، فحين تخرجت من الثانوية بمعدل مرتفع أشاروا عليّ أن أدخل قسم اللغة الإنجليزية لكنني لم أستمع لهم لأنني لا أميل إليها بالقدر الذي يجعلني أبدع فيها، واخترت قسم اللغة العربية لحبي لها، يومها ضحك الجميع مني حتى أصبحت «طرفة المجلس»، واليوم أنا معيدة في الجامعة والكل ينظر إليّ باحترام. بينما بيّن أحمد بأنه استجاب لرغبات الناس كثيرا حتى لا يصبح ك»العلكة» في مجالسهم، فبات فاشلا لا يرجى منه شيء، حتى أنه طلق زوجته وشرد أبناءه، وبعد أن فكر في وضعه عرف أن عليه أن يوفق حياته وفق رغبته ومتطلباته هو بعيدا عن الناس، مشيرا أن ما يرضي طائفة لا يرضي أخرى، ولا يمكن الاعتماد على كلام الناس في تقرير الصواب والخطأ؛ لأن ذلك مبني على أفكار الناس طبقاً لثقافاتهم ومجتمعهم. وأوضحت سعاد جاري «أن والدها غرق في الديون بسبب كلام الناس، ووضحت»مقدار ما يتقاضاه أبي من الضمان الاجتماعي لا يتجاوز 1500ريال، لكنه عمد إلى استدانة كثير ليوفر ما يرضاه الناس في زواج أخي، كي لا يتحدث الناس عنه بسوء، و ساندته أمي برأيها، ما أنهك كاهله، وهو الآن واقع في ديون كبيرة، حتى أننا لا نجد ما نقتات به لذهاب المال إلى الدائنين». وتقول أفنان شرواني«أمتنع عن المشاركة والمناقشة وإبداء الرأي في القاعات الجامعية – خوفا من الشذوذ عن المجموعة -، كذلك خوفا من الوقوع في خطأ ما خلال كلامي يجعل الطالبات – ينظرن لي نظرات عجيبة، حتى وإن كانت إجاباتي صحيحة». أما جيهان محمد فتقول «نحن من المجتمع ونعود إليه، إخوتنا منه، نتزوج منه، وننجب أبناء إليه، نحن منه، وهو منا، هناك أمور لا بأس بها بيد أن البعض يبتعد عنها حتى يتكيف مع المجتمع، ويحصل على نظرة طيبة منه، ولا أرى خطأ في الحصول على قبول المجتمع الذي يعيش فيه، مادام هدفه محمودا، والأمر يرجع للشخص نفسه هل الأمر يستحق أن يخالف نظرة المجتمع، أم أنها لمجرد المخالفة لا أكثر، ولهذا أرى أنه لابد من الاهتمام بكلام الناس حتى يتوافق الإنسان في الانسجام مع مجتمعه». لحمة واحدة وترى أستاذة علم الاجتماع خلود الأحمد «أن المجتمع الذي نعيشه يفرض علينا النظر لأحوال بعضنا، كوننا نعيش في لحمة واحدة، وقالت»كلام الناس السلبي يؤخر من يستمع له ولا يقدمه، فهو مجرد انتقاد جارح فارغ لا يحمل حلولا للمشكلات، ولا يتضمن بلسما يداوي الجروح، وربما كان هؤلاء الناس ممن لا يحملون كرها للآخرين، لكنها طبائع سيئة جبلوا عليها، لذلك كان الهروب من مواجهتهم يزيد وقع كلامهم السلبي على ذواتنا، والأفضل مواجهتهم حتى لا نخسر أنفسنا ونخسر ما نحب، كاستجابة لهم، كما علينا عند مواجهتهم أن لا نستسلم لكلامهم بل يتم الرد بطريقة مهذبة نكسب فيها ذواتنا، ولا نخسر من يحببنا، أما من يتحدث في ظهورنا فلا حاجة لنا به، ومتى ما وعى الإنسان ذلك لم يتردد في خوض ما يريد، مادام لم يخالف شرعا ولم يبتدع منكرا. عقدة الهاوية وتبين اختصاصية علم النفس إلهام حسن أن «كلام الناس» بات العقدة التي تقود المجتمعات نحو الفشل، وهاجسا نلتزم بتحقيقه رغم مخالفته لأهوائنا، فالمطلقة والعانس، تصاحبهما نظرات المجتمع ويلاحقهما كلامه، إلى جانب العاطل، والفقير، وغيرهم، وكأن حالهم جريمة عار اقترفوها في مجتمعهم الذي تشاركوا العيش فيه مع من حولهم، حتى أصبح «كلام الناس»يؤثر في حياة الإنسان ويضطره لفعل أشياء لا يرغبها من أجل إرضاء من حوله، وأضافت» إن حاولنا سبر غور المشكلة لوجدنا أنها نتيجة زرع الآباء في أبنائهم، فخوفهم من كلام الناس انعكس بسلبية على حياة الأبناء، حتى نجدهم يقومون بأعمال تخالف القيم الدينية والأخلاقية، في سبيل إرضاء الناس، ويحبون ويكرهون ما يظنون أن الناس يحبونه أو يكرهونه، ويلبسون ما يظنون أنه يعجب الناس، وهو ما يسمى ب»التلاعب النفسي» في علم النفس، الذي يهدف إلى تغيير سلوكيات، أو أفكار الأفراد من خلال الأساليب الملتوية، وذلك لخدمة مصالح المتلاعب الذاتية، وقد اشتهر في الحروب، للوصول إلى «النصر»، مشددة على أعمال العقل بما يتلائم مع المصالح الشخصية، بعيدا عن ذوي النفوس الحاقدة والمليئة بالكره والضغينة، مؤكدة أن «واثق الخطى يمشي ملكا». قدسية ومرجعية د.وليد الزهراني ويرى الاختصاصي النفسي الإكلينيكي الدكتور وليد الزهراني أن كلام الناس أصبح ذا قدسية ومرجعية للكثيرين، مغفلين جانب الدين وجانب الأخلاق الحسنة السوية، فما وافق الناس عملوا به، مهما تعارض مع الدين، حتى أصبح هاجسا يحاولون إرضاءه بأي وسيلة، مسببا كثير من مشاعر القلق والتوتر، والاكتئاب، والضيق، كما أنه أحد أسباب العنوسة في المجتمع، الذي يضع اشتراطات معينة للرجل والمرأة لترضي بها أعين الناس، وهذه مخالفة صريحة لأمر الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – في جعل الدين مرجعا لكل الأمور، وهذا هو الخطأ الكبير الذي جعلنا منه كلام الناس همّا نحاول إرضاءه بمختلف السبل مهما تعارضت معنا المصالح، والاحتياجات. غير واثق من نفسه ويقول «إن الشخص الذي يستمع لكلام الناس ويجعل له الأولوية في حياته هو شخص غير واثق من نفسه، معدوم الشخصية، وغير قادر على اتخاذ القرارات، ولا يملك أي مهارة من مهارات الحوار وإبداء الرأي، ويظهر هذا الاهتمام الكبير لكلام الآخرين عند ذوي الشخصيات الحساسة، فهي شديدة التأثر بكلام الغير، وانطباعاتهم عنها، وكذلك الشخصيات الاكتئابية، التي ترى أن كلام الآخرين هو العامل المهم بالنسبة لهم فلا يقومون بأي سلوك أو عمل ولا يتخذون أي قرار، دون الرجوع له، مما يؤدي إلى عدم القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة، ويؤدي إلى الإحباط خصوصا في الأمور التي تتطلب منهم إقداما لإنجازها، ويقلل خوفهم من الناس دافعيتهم لإنجازها مما يحبطهم في النهاية، ويكسبهم مشاعر اكتئابية، تطول فترة علاجها». نتائج عكسية وأكد الزهراني «أن أخلاقيات بعض المراهقين المنافية لأخلاق المجتمع هي نتيجة عكسية لمحاولة عدم الانصياع والانقياد لكلام الناس، بطريقة خاطئة من التحرر، لاختلاط المفاهيم عليهم، ممن لا تتجاوز أعمارهم العشرينيات، وهو السبب الرئيس لتلك الممارسات الخاطئة مثل، البويات، والإيمو، وغيرهم، كنوع من الحرية السلبية المضادة لكلام الناس من وجهة تعبيرهم، وكلام الناس مشكلة متوارثة ذات جذور قديمة، خصوصا عند ساكني القرى، نشأ عليها الناس، كسلوكيات ضرورية للحياة، وثقافة تربوا عليها، مخلفة آثارا سلبية شديدة الخطورة على المجتمع كالإدمان، والطلاق، والانحراف السلوكي، والأخلاقي، والمعنفين، فهي أساس لكل المشكلات في المجتمع، تنخر أركانه بمعاول الهدم، ليست مشكلة فرد بقدر ما هي مشكلة أسرة ومجتمع. زوبعة من الهم وتقول أستاذة علم الاجتماع حنان الشريف»نحن أكثر المجتمعات تأثرا بهذا الشعار، ومهما اتسعت مداركنا نبقى تحت وطأة وأنياب الصورة التي يرانا الآخرون بها، بل إن كثيرا من الناس يدعي أن الآخرين لا يهمونه، وأن أفعاله وأقواله نابعة من قناعته، بينما نجد في تصرفاته ما يناقض ذلك تماما، ليقع مجددا في زوبعة الهمّ نفسه، وهي مشكلة قديمة، توارثناها جيلا بعد جيل، والحكمة القديمة تقول «كُل ما تشتهي، والبس ما يشتهي الناس»، وفي حياتنا اليومية نتردد أحيانا في القيام ببعض الأمور بسبب كون المجتمع، يستهجن هذا التصرف، على الرغم من مشروعيته، وعدم مخالفته للشريعة أو للقانون أو حتى الذوق العام، وإن وجدت بعض الاختلافات الشخصية عما يعتبر مخالفا للذوق العام، أو فيه عدم احترام للغير، بيد أن الثقة بالنفس، تحول دون هذا، حتى لا يضيع الجوهر الحقيقي لشخصنا في دهاليز ذواتنا، كل ذلك تحت مبدأ ماذا يقول الناس عنا. فإن كنا فعلا سنهتم لرأي الشخص السلبي، ونظرة فلان التي لا مبرر لها، فإننا لن نتقدم ولن نتطور، ولعلي أذكر قصة كينغ كامب جيليت – مؤسس شركة جيليت العالمية – عندما خطرت له فكرة صناعة شفرات حلاقة رخيصة الثمن سهلة الاستعمال، هوجمت فكرته بالانتقاد الشديد، كون الناس في ذلك الزمن كانوا يعتقدون أن الشفرة المثالية هي الأغلى ثمنا، التي تظل وقتا أطول، ويتم شحذها كل فترة عند الحداد، لم يلتفت كينغ لتلك الانتقادات، أو يتأثر بذلك الهجوم العنيف، وصمم على تنفيذ فكرته التي آمن بأنها مجدية، وها هي شركة «جيليت» تبيع الآن منتجاتها في أكثر من ثلاثين دولة، بل وربحت الشركة أرباحا خيالية، وامتد نشاطها فأصبحت تنتج عديدا من المنتجات كبطاريات الكهرباء، وفراشي الأسنان، وعديد من السلع. هكذا كانت البداية فكرة بسيطة ولاقت استهجان الجميع. ردع الشذوذ خالد أبو القاسم ويقول مأذون الأنكحة والداعية خالد أبو القاسم «نظرة المجتمع الإيجابية تكمن في ردع حالات الشذوذ التي لا يقبل بها ديننا ولا تناصرها قيمنا. ولكن مع الأسف بدأ دورها في التقلص فها نحن نتساهل ونترك أشياء كثيرة تدخل علينا، وما يدعو للغرابة أنها لا تقابل باستنكار، بل بالاستحسان من قبل المجتمع وإن خالفت حكما شرعيا ورد فيه الدليل، أما النظرة السلبية هي في الحكم الخاطئ على الأمور مما يقود لتصرفات وأفكار ساذجة. وهو من ناحيةٍ ما، يكبح حب الابتكار ويدعنا أسيرين للتقليد، ففي العادة المجتمع لا يتقبل الشيء الجديد الغريب بغض النظر عن فائدته وخاصة في البداية، ودائما يلقى تصديا واستنكاراً، لكن فيما بعد تهدأ وتيرة الاستنكار ويبدأ المجتمع بتقبله، حتى إنه في بعض الحالات يقبل بأشياء تتمنى لو أنه استمر في محاربتها، و»إرضاء الناس غاية لا تدرك»، من حرص عليه فسيشقى أيما شقاء، وإن استطاع إرضاء بعض الناس، فلن يستطيع إرضاء كل الناس، لأن لكل إنسان وجهة نظر تختلف عن الآخر، وإن ظللنا ننظر فيما حولنا خوفا وحذرا فلن نتقدم خطوة واحدة، والإنسان العاقل المهيأ لاتخاذ القرار يجب أن يستقل بإصداره، مستدلاً بحكمة الوجود في هذه الحياة وبسلامة المقصد الشرعي في التطبيق بالقناعة وبتحقيق المصلحة من ذلك القرار سواء كان القرار هادفاً لتحقيق المصلحة العامة أم المصلحة الخاصة، وهذا لا يعني صرف النظر عن الشورى، وإنما يعني العزيمة على الأمر بعد النظر والتدبر قال تعالى«وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله». وخلاصة القول أتمنى أن يكون من معايير الالتزام بالمسالك الأخلاقية الارتفاع بالأذواق الحضارية إلى مثل القول: «قل خيراً أو اسكت»، ومن ذلك قول «عليك نفسك فتش عن معايبها وخلّ عن عثرات الناس للناس» ولا يعقل أبدا أن يخسر إنسان حلمه وطموحه، ويتخلى عن تحقيق أهدافه ورغباته من أجل الناس ورضاهم، حياتك لك أنت، أنت من سيعيش وأنت من سيموت فاستمتع بكل لحظات حياتك دون أن تسيّر حياتك على إرضاء الناس، وليكن نصب عينيك إرضاء الله أولا في المرتبة الأولى ، ثم إرضاء أنفسنا وبعدها موافقة ما يسير عليه المجتمع وفق المبدأ الشرعي.