لم يقف الفنانون السوريون جانباً إزاء ما يحدث في بلادهم، فكثير منهم اليوم يعاني الاعتقال، أو التضييق والتهديد، أو حملات التشهير، عدا عن أولئك الذي اضطروا إلى “النزوح” عن بلدهم خوفاً من الاعتقال وبطش السلطات. آخر هذه الاعتقالات كان للفنان محمد عمر أوسو، الممثل والكاتب التلفزيوني، الذي تعرض للاعتقال عدداً من المرات، هو الذي ظهر مشاركاً في مظاهرات معارضة للنظام كما تظهر فيديوهات على موقع اليوتيوب. يأتي ذلك بعد أيام على اعتقال الممثل والمنتج السينمائي عروة نيربية، وهو مدير ومؤسس مهرجان السينما التسجيلية “دوكس بوكس” في سوريا. وتعود مشاركة الفنانين السوريين في الاحتجاجات إلى الأشهر الأولى من انطلاقها. وكانت المشاركة الأولى الواضحة في إصدار بيان إنساني لم يتطرق إلى السياسة، وكل ما طالب به إيصال المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء وحليب لأطفال درعا المحاصرة، فسمي البيان ب”بيان الحليب”. ووقع على البيان عدد كبير من الفنانين، من بينهم منى واصف، ويارا صبري، وريما فليحان. البيان هوجم بقوة من إعلام النظام ومناصريه، وسرعان ما ظهر عدد من هؤلاء الفنانين في القنوات الرسمية في ما بدا أنه تراجع عن مطالبهم، ففهم الجميع حينذاك أن الفنانين السوريين تحت الضغط. واليوم، أصبحت الفنانات الثلاث المشار إليهن: واصف، وصبري، وفليحان، جميعهن خارج البلاد. العلامة الأبرز لمشاركة الفنانين كانت في مظاهرة سميت ب”بمظاهرة المثقفين” في الأشهر الأولى للاحتجاجات. وهي اختارت لخروجها مكاناً رمزياً، أحد جوامع حي الميدان. تنوعت طوائف ومذاهب هؤلاء الفنانين حينذاك، لكنهم اتفقوا على الخروج من مسجد. وواجهوا المصير نفسه، السجن. ومن أبرز من شارك حينذاك الممثلة مي سكاف، والمخرج السينمائي نضال حسن، والممثلان محمد وأحمد ملص. جرى توقيف هؤلاء مع مساجين جنائيين في فرع الأمن الجنائي، وحين خرجوا من المحكمة ليحاكموا طلقاء كان “الشبيحة” على موعد معهم. وفي حي الميدان، أيضاً، اعتقل المخرج المسرحي والأكاديمي أسامة غنم، إثر مشاركته في إحدى المظاهرات، ولم يمنعه موقعه الأكاديمي من التعرض للضرب والإهانة. ورغم ذلك، برزت أسماء لفنانين شاركوا بوضوح في التظاهرات، من بينهم الممثل فارس الحلو، الذي وجد نفسه في ما بعد مضطراً لمغادرة البلاد، والممثل محمد آل رشي الذي جرى اعتقاله، وهو نجل الممثل المخضرم عبدالرحمن آل رشي. وفي إحدى التظاهرات، جرى الاعتداء على الممثل جلال الطويل، وخطف في ما بعد ليظهر على شاشة الإعلام الرسمي متراجعاً عن كثير من مواقفه، وهو ما ترجعه أوساط الفنانين المعارضين إلى الضغط الذي مورس عليه. أسماء فنية كثيرة غادرت البلاد، لا يعرف بالضبط ما إذا كانت تعرضت بالفعل إلى تهديدات، أم أنها اتخذت موقفاً مناوئاً للنظام أدركت أنه سيعرضها للتضييق والتهديد فغادرت البلاد من تلقاء نفسها. ومن بين تلك الأسماء المخرج والمنتج التلفزيوني والسينمائي المعروف هيثم حقي. وكذلك تعرض المنتج السينمائي شادي أبو فخر أكثر من مرة للاعتقال قبل أن يغادر البلاد. أما المخرج السينمائي البارز أسامة محمد، مخرج فيلم “نجوم النهار”، الفيلم الممنوع من العرض لأكثر من ثلاثين عاماً، وفيلم “صندوق الدنيا”، فقد كان من أبرز الواقفين مع صف الاحتجاجات، ومن بين موقعي، ومطلقي “نداء السينمائيين” الذي نادى سينمائيي العالم للوقوف إلى جانب الشعب السوري. أسامة محمد اليوم موجود في باريس منذ ذلك النداء، وهو لم ينج من التخوين وحملات الشتم. ويقول لوكالة فرانس برس “بعد نداء السينمائيين والمشاركة في مهرجان كان، في ندوة مع كوستا غافراس عن السينما في ظل الديكتاتورية، قدمت فيها نص “صورة ضد صورة” عن جريمة النظام الأمني السوري، وقتل المتظاهرين، وجريمة الإعلام الرسمي في إنكار الجريمة، واتهام القتيل بها، تلقيت من سوريا تهديدات غير موثقة، من المتعذر تأكيدها أو نفيها، إلى جانب تهديدات أخرى عديدة مؤكدة، على صفحات الموالين الأمنيين على الفيسبوك تتراوح بين تهمة الخيانة وهدر الدم”. لكن الوجه الفني الأبرز من بين الفنانين في قيادة المظاهرات كان الممثلة فدوى سليمان، التي تعرضت إلى حملات تشهير إثر مشاركتها في مظاهرات مدينة حمص تحديداً، جنباً إلى جنب مع حارس المرمى المعروف عبدالباسط ساروت. واستطاعت أن تنجو بأعجوبة، فيما الحصار يشتد على مدينة حمص، لتتمكن من مغادرة البلاد. وتقول فدوى سليمان لوكالة فرانس برس رداً على سؤال حول مشاركة الفنانين السوريين “هنالك كثير من الفنانين السوريين الذين شاركوا في الثورة السورية، لكن بقيت مشاركتهم محدودة”. وتضيف “كنا في بداية الثورة نأمل منهم موقفاً أوضح، ومشاركة أكبر، لكن الفنانين المعروفين تخلوا عن دورهم في إرشاد جمهورهم الذي أحبهم إلى السبيل الصحيح للوصول إلى حريتهم، لا بل واعتبروهم رعاعاً وإرهابيين”. وتدعو فدوى سليمان كل فنان اليوم “وفي كل أنحاء العالم أن يعود إلى دوره الحقيقي والإنساني في وجه كل الأنظمة القمعية والقاتلة”. وتضيف “على الفنان السوري اليوم ألا يخاف من أي حزب، أو معسكر، أو نظام، وعليه ألا يحسب حساباً إلا للإنسانية وللحق والعدالة. على الفنان ألا يخضع للتسييس ليعجب هذا الفريق، أو ذاك، فالحرية والعدالة والمساواة لا تنتمي لجهات، ولا لأحزاب”. ويقول الكاتب التلفزيوني تمام هنيدي الذي تعرض أيضاً للاعتقال “على الفنان السوري أن يحفظ جيداً جملة مارتن لوثر كينغ الخالدة: المكان الأكثر اتساعاً في جهنم محجوز لأولئك الذين يقفون على الحياد في المعارك الأخلاقية الكبرى”. أ ف ب | بيروت