أين تكمن المتعة في قضاء أيام العيد في العمل؟ ربما يتفق معي منظرو الاقتصاد وسيدات التدبير المنزلي، والمديرون في العمل، أنها تكمن في توفير المال، بل في مزيد منه بعد حساب بدل العمل الإضافي. فلم نكن، نحن العاملين، والمضحين بأيام الإجازة (بنية صافية)، مجبرين على الخروج إلى مهرجانات العيد، التي تتكرر كل عام دون تغيير يذكر، إلى درجة أن بعض المهرجانات هنا وهناك خلت من الجمهور، وصفق فيها أعضاء الفرق المشاركة لبعضهم البعض. في هذه الحالة – العمل والناس نيام – نكون قد وفرنا التالي: «بنزين»، وحرق أعصاب بسبب الزحام، وعدم الاحتكاك بسائقين يتعمدون كسر أبسط قوانين المرور، وحرارة الجو ورطوبته، وعدم شراء حلويات وطعام وغيرهما من الباعة المنتشرين في المهرجانات، الذين يبيعون بضاعتهم بأسعار مضاعفة، مستغلين إلحاح الأطفال على الشراء. ولم نقل إن هيئة حماية المستهلك غير حاضرة، فهي في إجازة أيضا. وفرنا ملايين الريالات، طبعا! فلم تطأ أقدامنا المطارات، ولم ننتظر حقائبنا تخرج مع عفش الطائرات، ولم نزاحم المسافرين السعوديين أمام تذاكر حجوزات السينما في دبي، ولم نصادف أقاربنا في مجمعات البحرين، كما احتفظنا ب»دهشتنا» من ناطحات السحاب في نيويورك، وتركنا لأهل لندن ضبابهم، فنحن موعودون بضباب خاص بعد أشهر الصيف. لم نقلق لسؤال: أين ستقضي هذا المساء؟ نعرف ذلك مسبقا، حيث نعود إلى مضاربنا لا نلوي على شيء، غير النوم أو مشاهدة فيلم. وفي أحسن الأحوال، وبقليل من الصبر والتأمل، سنوافق على الخروج في مشوار قصير إلى أقرب مطعم، مصطحبين زمرة من الأطفال الغاضبين، على ضياع ما تبقى من إجازتهم قبل أن تفتح المدارس أبوابها، ومحاولين بقدر المستطاع تذكر صبر «أيوب»، ونحن نتلقى جلدا لسانيا متقنا من زوجاتنا، الصالحات طبعا، وهن يقارن بين رجال صديقاتهن، الذين ضربوا الأرض سفرا، وبيننا، نحن الذين، – وبحكمة لا يدركها المسافرون وغير العاملين – وفرنا القرش الأبيض لليوم الأسود، وهو بالمناسبة قريب، يبدأ بالقرطاسية وينتهي بخياط الثياب.