يتكرر الحديث في كل عام، ويدور النقاش، هل يجوز لنا أن نفرح بالعيد ونحن – هذا العام – نرى أهلنا في سوريا يذبحون بيد نظام مجرم ظالم، ونرى مذابح المسلمين في ميانمار ( بورما سابقاً )؟ حقاً، إنها مشاهد تفقد الإنسان صوابه عندما يشاهد عبر القنوات الفضائية حكومة ما تقيّد أيدي الناس خلف ظهورهم بالحبال، ثم تأمر بذبحهم بالسكاكين خلف الأسوار أو حتى في الشوارع المكشوفة – إما توفيراً للرصاص أو رغبة في التكتم عن الجريمة – وهل يجوز لنا نهنأ بالطعام والشراب ونحن نعلم أن هناك أطفالا يموتون جوعاً في إفريقيا؟ هو بلا شك سؤال مهم يجب أن يطرح، ولا بد أن يجيب عنه كل مسلم يعتز بدينه، ويؤمن به إيماناً عميقاً، ويعلم أنه محاسب على مواقفه، كما أنه سؤال كبير في إطار فلسفة الأخلاق والواجب القيمي لكل إنسان يملك ضميراً أو بقايا ضمير. أعتقد أن المسلمين في سوريا وبورما والجوعى في الصومال لن يفيدهم في قليل ولا كثير أن ( نرغي ) على مصابهم كما ترغي ذوات الخف. ما يفيدهم حقاً هي الفاعلية المحسوسة الملموسة التي تنتج وتفعل. ما يفيدهم هما المال والسلاح وكل وسيلة تساعدهم في الدفاع عن أنفسهم. أما البكاء في مثل هذه الظروف فمردود على صاحبه لأنه ليس سوى مشاعر سلبية قاتمة مستهلكة للطاقة، تضر بصاحبها ولا تفيد من ذُرفت عليه الدمعة. وردت مفردة ( حزن ) في القرآن الكريم 42 مرة. منها ما تحدث به القرآن عن حزن يعقوب على يوسف. وهذا ما وجدته في ثلاث آيات ( وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ) و ( إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله ) و ( إني ليحزنني أن تذهبوا به ) وهذه الآيات من قصص الأنبياء التي وردت للإخبار وليست مظنة الأحكام في العادة، فالحديث عن حزن يعقوب هو حكاية لحاله عليه السلام وما ابتلي به من مصيبة تتعلق بفقد الولد لعقود طويلة، وعقوق وغدر الأبناء. إذا تجاوزنا حزن يعقوب عليه السلام، وجدنا ذكر الحزن، في وصف حال المؤمنين الفقراء الذين يتمنون لو أن المال بأيديهم لكي يتصدّقوا وينفقوا في سبيل الله ( تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون ). كما ورد ذكرها في سياق ذهاب الحزن عن أهل الجنة الذين أنعم الله عليهم ( وقالوا الحمدلله الذي أذهب عنا الحزن). أما بقية المواضع ال 42 في القرآن الكريم، فقد نظرت فيها مراراً وتكراراً، فكانت كلمة الخطاب القرآني واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار. لقد رأيت في القرآن نهي المؤمن عن الحزن في الحياة الدنيا، ونفي وقوعه على المؤمنين المتقين في الآخرة. نهي صريح قاطع يوضح الصورة الفاعلة الإيجابية السعيدة التي وضعها الله لحياة المؤمن. ولم يرد في موضع واحد ما يخالف هذا، أو يورد سبباً للحزن غير ما ذكرت. ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) ( يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ) ( فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ( إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ) ( ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون ) ( وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك ) ( تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة ) ( فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن ). كل هذه الآيات تنهى عن الحزن سواء أكان ذلك الحزن بسبب كيد ومكر الأعداء، أو الحزن لإعراضهم عن الحق، أو الحزن على هلاك الظلمة. ويكفيك موقفاً يفترض أن يكون أساساً وقاعدة في حياتنا (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ). إنه أمرٌ ينفر من هذا الشعور السلبي، خصوصاً وقد قرن الحزن بالهوان هنا. في الحديث إن النبي عليه الصلاة والسلام عندما فقد ابنه إبراهيم قال : ” إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون”. بطبيعة الحال، إن الحزن أحد المشاعر السلبية الفطرية الخمسة، وهو لا محالة سيقع، ولذلك أرشدنا النبي عليه السلام للكمال الممكن، فالإنسان لا يملك دمعة عينه ولا حزن قلبه، لكن من الواجب عليه مراعاة ما يقول وما يفعل في تلك اللحظات، بحيث يكون معتدلاً في شؤونه كلها.