أنشئت ” منظمة التعاون الإسلامي ” ( OIC ) في العام 1969م ، الموافق 1389ه ، لدعم التضامن فيما بين البلاد الإسلامية ، وتقوية وبلورة العمل المشترك ، والمنافحة عن القضايا العربية والإسلامية الملحة ، بما يخدم الصالح العام للإسلام والمسلمين. وكان من أهم دوافع إنشائها : دعم القضية الفلسطينية ، والعمل على تحرير” القدس ” واستعادتها من براثن الاستعمار الاستيطاني الصهيوني . لذا جاء في ميثاقها الأساسي أن مقرها الدائم هو مدينة القدس- بعد تحريرها من الاغتصاب الصهيوني. أما مقرها الحالي فهو مدينة جدة . إنها منظمة دولية حكومية شاملة تعمل على توثيق عرى العلاقة بين شعوب أعضائها ، وترسيخ تعاونهم في كل المجالات. وما أحوج العرب والمسلمين اليوم لذلك التعاون والتكاتف خاصة في ظل النظام العالمي القائم حاليا ، الذين يتعرضون فيه لشتى صنوف القهر والإذلال . وكأي منظمة دولية ، تعقد هذه المنظمة اجتماعات دورية، على كافة المستويات ، منها اجتماع – عادي – على مستوى رؤساء الدول ( القمة ) يعقد مرة كل ثلاث سنوات . وفى موسم حج سنة 1425ه ، دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ( في خطاب له لجموع الحجيج ) لعقد اجتماع قمة إسلامي طارئ- في إطار هذه المنظمة – التأم شمله في مكةالمكرمة ، في نهاية سنة 1426ه (2005 م ) وسبق انعقاده عقد ” منتدى ” لعلماء ومفكري الأمة الإسلامية ” ليتأملوا في حال الأمة ، وليحددوا رؤاهم لمستقبلها “وليضعوا تصورا لما ينبغي أن تكون عليه هذه الأمة مشخصين أوضاعها العامة ، في الوقت الحاضر ومحددين سبل مواجهتها للتحديات الجسام التي تقف في طريق نهوضها ،وفي بقائها حرة كريمة. وقد كانت فكرة رائعة لها – إن فعلت توصياتها – تأثيرا إيجابيا هائلا على مستقبل هذه الأمة ، ووضعها العالمي ، بإذن الله. وبالفعل ، عقد ” منتدى العلماء والمفكرين المسلمين التحضيري للقمة الاستثنائية الإسلامية ” الأولى في مكةالمكرمة ، وعلى بعد خطوات معدودة من الكعبة المشرفة ، في الفترة 5-7 شعبان 1426ه ( 9-11 سبتمبر 2005 م ) في جو مفعم بمشاعر جياشة مختلفة . إذ ساد الحزن على ما آل إليه وضع الأمة الآن ، والأمل في أن تتمكن ( قريبا ) من النهوض ونفض غبار الذل والهوان والسير في طريق الرفعة والكرامة سلاحها الإيمان والعلم والعمل. وقد لمس من حضر ذلك المنتدى ، الذي نظمته وزارة الخارجية بالتعاون مع منظمة التعاون الإسلامي ، في المنتديين إخلاصا ملحوظا للأمة ، ورغبة صادقة وجامحة في علاجها مما تعانى منه من علل . وساعد جو الصراحة والروحانية والحرية ، الذي اتسمت به نقاشات ذلك المنتدى ، على الخروج ب ” توصيات ” موضوعية بارعة – في رأى بسبب استنادها على الدقة العلمية والجرأة والصدق والتوازن . ولعل ذلك هو ما أكسبها قبولا واسعا . اجتمع حوالي مائة وعشرين عالما ومفكرا ، من مختلف الدول الإسلامية ، في جلسات شحذ فكر ودون إعداد أي ورقة مكتوبة مسبقا . وقسمت أعمال المنتدى إلى ثلاث لجان : لجنة الاقتصاد والعلوم والتقنية ، لجنة الفكر الإسلامي والتعليم والجانب الاجتماعي والثقافي ، لجنة السياسة والإعلام . وضمت كل لجنة من30-40 عالما ومفكرا ، من خيرة علماء ومفكري الأمة الأحياء . وحضر بعض مناقشاتها عدد من الشخصيات الإسلامية البارزة ، من السعودية وغيرها . وأصدرت كل لجنة تقريرا ختاميا ، تضمن مناقشاتها ورؤاها وتوصياتها . ودمجت التقارير الثلاثة في تقرير واحد قام أمين عام المنظمة برفعه إلى خادم الحرمين الشريفين ، الذي تفضل بعرضه على مؤتمر القمة الإسلامي الطارئ الثالث ، الذي عقد في عام 1426 ه . ولقد لقيت هذه التوصيات ، القبول والاستحسان من قادة وزعماء العالم الإسلامي الذين اجتمعوا بمكةالمكرمة وقرروا تبني تلك التوصيات في أرض الواقع – بعد تعديلات طفيفة أجريت على بعض مضامينها . وما زلنا ننتظر ” التفعيل ” الكامل لهذه القرارات أي تفعيل محتوى هذه الوثيقة التي تعرف ب ” الخطة العشرية “لأن إنفاذها سيتم على مدى عشر سنوات اعتبارا من عام 1426ه . أي أن التفعيل الكامل يفترض أن يتم في نهاية عام 1436ه . فبدون تفعيل لكامل مضامينها تظل هذه الأفكار الجميلة والرائعة فاقدة الأهمية وحبر على ورق. وتجاهلها يحرم الأمة من فرصة عظيمة للاستفادة والنهوض . واستمرارا لاهتمامه ورعايته الكريمة للتضامن الإسلامي ، وحرصه على مصالح المسلمين ، دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لعقد مؤتمر القمة الإسلامي الطارئ الرابع الذي عقد في مكةالمكرمة في أيام رمضان المبارك ، وناقش أهم القضايا الملحة التي تهم العالم الإسلامي .وأهم ما ناقشه هذا المؤتمر الوضع المأساوي في سوريا وتنكيل النظام الأسدي بالشعب السوري لمطالبته بحقه في الحرية والديمقراطية ، والمذابح التي ترتكب في ميانمار ضد المسلمين في ” أراكان “، وآخر تطورات القضية الفلسطينية . إن ” فكرة ” عقد ” منتدى” للعلماء والمفكرين قبل أي مؤتمر كبير، لمناقشة الوضعية المطلوب الوصول إليها ، والعوائق وسبل التغلب عليها ، لتحقيق تلك الوضعية ، هي فكرة مفيدة و رائعة وحبذا لو تطبق هذه الفكرة ( الآلية ) قبل انعقاد أي مؤتمر عربي أو إسلامي كبير، بوقت كاف يسمح بوضع جدول أعمال هذه المؤتمرات على ضوء توصيات العلماء والمفكرين المتخصصين والاستنارة بهدى حكمتهم ، في العمل العربي والإسلامي المشترك . فهؤلاء العلماء والمفكرون ( الموضوعيون ) يعكسون نبض الأمة ، دون تطرف وأوهام ويجسدون آمالها وآلامها . وهم الأحق أن يسمعوا لأنهم ” عقل ” الأمة وضميرها . أتمنى أن تتم مراجعة ما يتم بشأن إنفاذ ” الخطة العشرية ” في كل مؤتمر إسلامي رفيع . والله الموفق ؟