في كل عام أتذكر وأذكر القراء بيومين حاسمين (6 و9 أغسطس آب) في تاريخ الجنس البشري عن عبثية القوة. ولكن لا حياة لمن تنادي! يقول الرب في سورة السجدة (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون). وهذا يعني أن ما يحجم الإنسان عن متابعة رحلة الفناء هو العذاب بجرعات تزداد كثافة ومرارة. هذا ما حصل مع جرعات القوة والسكر بها. وحسب (جاستون بوتول) ودراساته عن الحرب في تاريخ البشر التي امتدت على مدى 3700 سنة منها بشكل خاص فترة القرنين السابقين يصل إلى ثلاث حقائق مريعة: الأولى أن القوة كانت تزداد هولا والحروب مرارة مع الوقت. والثانية أن كلفة الحرب كانت أكثر من كل الأمراض المجتمعة من إيدز وطاعون وجراد وقمل وضفادع. والثالثة أن تاريخ البشر كان يمشي بوتيرة مخيفة فمن أصل كل 13 سنة من الحرب يقابلها سنة من السلام. ولذلك قال الرجل إنه يجب فتح معاهد لدراسة ظاهرة الحرب فهي أهم من مشافي العالم أجمع. ومن أبرز معالم القوة يوما 6 و9 أغسطس اللذان يصادف تاريخهما هذه الأيام بعد مرور 67 عاما وتكرسه اليابان للذكرى الجماعية وهو تاريخ مجيئي الشخصي إلى هذا العالم، «بعضهم لبعض عدو». في يوم 16 يوليو تموز 1945 م عند الساعة الخامسة والنصف صباحا تم تجريب تفجير أول قنبلة ذرية في صحراء آلامو جوردو في تكساس، وكانت انعطافا في تاريخ الجنس البشري، فمع هذه التجربة على الأرض لحقتها تجربة على رؤوس اليابانيين، فضربت هيروشيما بهذا السلاح في 6 أغسطس، ثم لحقها في 9 أغسطس ضرب ناجازاكي فمات مئات الآلاف من البشر في ساعة من نهار. بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون. مع هذا السلاح أدرك ساسة العالم أن العالم تحول تحولا نوعيا فلم يعد بالإمكان حل المشكلات عن طريق القوة. وهو تناقض محير بين امتلاك سقف القوة وعدم القدرة على استعماله. وبذلك ألغت القوة القوة وماتت مؤسسة الحرب غير مأسوف عليها. ومنذ ذلك الوقت حصلت أزمات ومواجهات كما في حرب كوريا ومواجهة كوبا وحرب 73 في الشرق الأوسط وأزمة برلين، ولكن أطراف الصراع أدركت على نحو واضح أنها تمتلك أفظع شيء ولكن لا تستطيع استعماله لأن الحرب تعني فناء جميع الأطراف بل نهاية الجنس البشري. وبلغ من مقدار امتلاك القوة النووية وما زال حتى اليوم في الترسانات ما يكفي لهلاك العالم أجمع. هنا أصبحت المراهنة على السلام العالمي ضرورة مطلقة يسعى لها عالم الكبار ليس من قناعة ومنطلق أخلاقي بل من ضرورة بحتة أمام حرائق الدول الصغيرة كما في سوريا التي سيهرع لها العالم حين يشتد الحريق، فلا يسمحون بتجاوز خطوط حمراء قدروها تقديرا.